للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القيامة ما أعلم، وما بعدها. كما علمت وترون النار كما رأيت فى مقامى هذا وفى غيره لبكيتم كثيرا، ولقلّ ضحككم لتفكركم فيما علمتوه. وفى حديث عائشة عند البخارى. فخرج إلى المسجد، فصف الناس وراءه، فكبرنا فاقترأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، ثم قال:

«سمع الله لمن حمده» فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة، وهى أدنى من القراءة الأولى، وزاد فى رواية: «ربنا ولك الحمد» «١» .

واستدل به على استحباب الذكر المشروع فى الاعتدال فى أول القيام الثانى من الركعة الأولى. واستشكله بعض متأخرى الشافعية من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال، بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع فى كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه، وإن كان محمد بن مسلمة المالكى خالف فيه.

والجواب: إن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة، فلا مدخل للقياس فيها، بل كل ما ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم- فعله فيها كان مشروعا، لأنها أصل برأسها. وبهذا المعنى رد الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة، حتى منع من زيادة الركوع فيها، فصلاة الكسوف أشبه شئ بصلاة العيد ونحوها، مما يجمع فيه من مطلق النوافل، فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة العيد بزيادة التكبيرات، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة واستدبار القبلة، فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع، فالآخذ به جامع بين العملين بالنص والقياس بخلاف من لم يعمل به.

وقد تبين أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة فى القيام وغيره، ومن زيادة ركوع فى كل ركعة، وقد وردت زيادة فى ذلك من طرق أخر، فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة، وآخر عن جابر أن فى كل ركعة ثلاث ركوعات «٢» ، وعنده من وجه آخر عن ابن عباس: أن فى كل ركعة أربع ركوعات، ولأبى داود من حديث أبى بن كعب، والبزار من


(١) صحيح: وقد تقدم.
(٢) أخرجه مسلم (٩٠١) فى الكسوف، باب: صلاة الكسوف، و (٩٠٤) باب: ما عرض على النبى- صلى الله عليه وسلم- فى صلاة الكسوف من أمر الجنة.