وإذا علمت هذا فاعلم أن للمؤمنين فى هذه الدار ثلاثة أعياد، عيد يتكرر كل أسبوع، وعيدان يأتيان فى كل عام مرة من غير تكرار فى السنة.
فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات من الله تعالى فشرع لهم فيه عيدا. وأما العيدان اللذان لا يتكرران فى كل عام، وإنما يأتى كل واحد منهما فى العام مرة واحدة.
فأحدهما: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان، وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون صيام شهر رمضان المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار، فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنب، وآخره عتق من النار يعتق الله فيه من النار من استحقها بذنوبه، فشرع الله تعالى لهم عقب صيامهم عيدا يجتمعون فيه على شكر الله تعالى وذكره وتكبيره على ما هداهم له، وشرع لهم فى ذلك العيد الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز يستوفى فيه الصائمون أجر صيامهم ويرجعون بالمغفرة.
والعيد الثانى عيد النحر: وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مرتب على إكمال الحج وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة، فإن الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم، ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذى يليه عيدا لجميع المسلمين فى جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهد، لاشتراكهم فى العتق والمغفرة يوم عرفة، وشرع للجميع التقرب إليه تعالى بالنسك بإراقة دماء ضحاياهم، فيكون ذلك اليوم شكرا منهم لهذه النعمة، والصلاة والنحر الذى يجتمع فى عيد النحر أفضل من الصلاة والصدقة فى عيد الفطر، ولهذا أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجعل شكره لربه على إعطائه الكوثر أن يصلى لربه وينحر.
وقد ضحى- صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر.