للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تعقبه الإسنوى فقال: لم يستوعب ما ثبت فى الأحاديث مع اختلاف كلامه. وقال الأذرعى: لم يسبق إلى ما قاله، والأظهر أن الأفضل لمن تشهد أن يأتى بأكمل الروايات، ويقول- كما ثبت- هذا مرة وهذا مرة، وأما التلفيق فإنه يستلزم إحداث صفة فى التشهد لم ترد مجموعة، وسبقه إلى معنى ذلك ابن القيم.

وقد كان- صلى الله عليه وسلم- يدعو فى الصلاة: «اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم وأعوذ بك من المأثم والمغرم» . فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: «إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف» «١» . رواه البخارى ومسلم من رواية عائشة.

قال ابن دقيق العيد: «فتنة المحيا» : ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها- والعياذ بالله تعالى- أمر الخاتمة عند الموت، و «فتنة الممات» : يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إليه لقربها منه، ويجوز أن يكون المراد بها: فتنة القبر: ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مع قوله: «عذاب القبر» ، لأن العذاب مرتب على الفتنة، والسبب غير المسبب.

وروى الحكيم الترمذى فى «نوادر الأصول» عن سفيان الثورى: أن الميت إذا سئل من ربك تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه، إنى أنا ربك، فلهذا ورد سؤال التثبيت له حين يسأل. وقد استشكل دعاؤه- صلى الله عليه وسلم- بما ذكر مع أنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

وأجيب بأجوبة، منها أن قصد التعليم لأمته، ومنها: أن المراد السؤال منه لأمته، فيكون المعنى هنا: أعوذ بالله لأمتى، ومنها: سلوك طريق التواضع وإظهار العبودية والتزام خوف الله، وإعظامه والافتقار إليه، وامتثال أمره فى


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٨٣٢) فى الأذان، باب: الدعاء قبل السلام، ومسلم (٥٨٩) فى المساجد، باب: ما يستعاذ منه فى الصلاة، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.