للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجليه: «سبحان الله وبحمده وأستغفر الله، إن الله كان توابا، سبعين مرة» ثم يقول: «سبعون بسبعمائة، لا خير فيمن كانت ذنوبه فى يوم أكثر من سبعمائة» ثم يستقبل الناس بوجهه فيقول: «هل رأى أحد منكم شيئا؟» قال ابن زمل: فقلت ذات يوم أنا يا رسول الله، قال: «خير تتلقاه وشر تتوقاه، وخير لنا وشر لأعدائنا، والحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك» . قال: رأيت جميع الناس على طريق رحب لاحب سهل، والناس على الجادة منطلقون، فبينما هم كذلك أشفى ذلك الطريق بهم على مرج لم تر عينى مثله، يرف رفيفا، يقطر نداه، فيه من أنواع الكلأ، فكأنى بالرعلة الأولى حين أشرفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم فى الطريق فلم يضلوه يمينا وشمالا، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدهم، وهم أكثر منهم أضعافا، فلما أشرفوا على المرج كبروا، ثم أكبوا رواحلهم فى الطريق، فمنهم المرتع، ومنهم الآخذ الضغث، ومضوا على ذلك. قال: ثم قدم عظم الناس، فلما أشرفوا على المرج كبروا وقالوا: هذا خير المنزل، فمالوا فى المرج يمينا وشمالا، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى أتيت أقصى المرج، فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات، وأنت فى أعلاها درجة، وإذا عن يمينك رجل أقنى آدم «١» ، إذا هو تكلم يسمو، يكاد يفزع الرجال طولا، وإذا عن يسارك رجل ربعة «٢» تارّ أحمر، كثير خيلان الوجه «٣» ، إذا هو تكلم أصغيتم إليه إكراما له، وإذا أمام ذلك شيخ كأنكم تقتدون به، وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف، وإذا أنت كأنك تبعثها يا رسول الله. قال: فانتقع لون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ساعة، ثم سرى عنه، فقال: «أما ما رأيت من الطريق الرحب اللاحب السهل، فذلك ما حملتكم عليه من الهدى، فأنتم عليه، وأما المرج الذى رأيت فالدنيا وغضارة عيشها، لم نتعلق بها ولم تردنا ولم نردها، وأما


(١) أقنى الأنف: ارتفاع أعلاه واحد يداب وسطه وسبوع طرفه، أو نتوء وسط القصبة، و (آدم) : أى أسمر.
(٢) التار: الممتلئ البدن.
(٣) خيلان: جمع خال، وهو الشامة فى الجسد.