للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقول: «من رأى منكم الليلة رؤيا فليقصها على أعبرها له، فيقص الناس عليه مرائيهم» «١» . وروى البخارى والترمذى عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم رأيا؟» فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وأنه قال ذات غداة: «هل رأى أحد منكم رؤيا» وقالوا: ما منا أحد رأى شيئا، قال: «لكنى أتانى الليلة آتيان، وإنهما ابتعثانى فقالا لى: انطلق، فانطلقت فأتيت على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه فتثلغ رأسه» «٢» الحديث.

وأقام- صلى الله عليه وسلم- يسأل أصحابه: «هل رأى منكم الليلة أحد رؤيا، ما شاء الله» ثم ترك السؤال فكان يعبر لمن قص متبرعا. واختلف النقلة فى سبب تركه السؤال:

فقيل: سبب ذلك حديث أبى بكرة- عند الترمذى وأبى داود- أنه- صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم: «من رأى منكم الرؤيا؟» فقال رجل: أنا يا رسول الله، رأيت كأن ميزانا نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبى بكر، ووزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان. فرأينا الكراهة فى وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. انتهى.

قالوا: فمن حينئذ لم يسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحدا عن رؤيا.

قال بعضهم: وسبب كراهته- صلى الله عليه وسلم- إيثاره لستر العواقب وإخفاء المراتب، فلما كانت هذه الرؤيا كاشفة لمنازلهم مبينة لفضل بعضهم على بعض فى التعيين خشى أن يتواتر ويتوالى ما هو أبلغ فى الكشف من ذلك، ولله فى ستر خلقه حكمة بالغة ومشيئة نافذة.

وقال ابن قتيبة- فيما ذكره ابن المنير-: سبب تركه السؤال فى حديث ابن زمل: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح قال- صلى الله عليه وسلم- وهو ثان


(١) صحيح: وقد تقدم من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٧٠٤٧) فى التعبير، باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، والترمذى (٢٢٩٤) فى الرؤيا، باب: ما جاء فى رؤيا النبى- صلى الله عليه وسلم- الميزان والدلو، ولكنه عند الترمذى مختصرا.