للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قوله لا يَمَسُّهُ «١» بالرفع، فهذا خبر لفظا ومعنى، ولو كان نهيا لكان مفتوحا. ومن حمل الآية على النهى احتاج إلى صرف الخبر عن ظاهره إلى معنى النهى، والأصل فى الخبر والنهى حمل كل منهما على حقيقته، وليس هاهنا موجب يوجب صرف الكلام عن الخبر إلى النهى، انتهى ملخصا.

وهذا الذى قاله ابن القيم قد تمسك به جماعة منهم داود، بأنه يجوز مس المصحف للمحدث. وقد أجاب ابن الرفعة فى «الكفاية» عن أدلتهم المزخرفة فقال ما نصه: القرآن لا يصح مسه، فعلم أن المراد به الكتاب الذى هو أقرب المذكورين، ولا يتوجه النهى إلى اللوح المحفوظ لأنه غير منزل، ومسه غير ممكن، ولا يمكن أن يكون المراد بالمطهرين الملائكة،. لأنه قد نفى وأثبت فكأنه قال: يمسه المطهرون ولا يمسه غير المطهرين، والسماء ليس فيها غير مطهر بالإجماع، فعلم أن المراد: المطهرين من الآدميين، ويبين ذلك ما روى أنه- صلى الله عليه وسلم- قال فى كتاب عمرو بن حزم المروى فى الدار قطنى وغيره: «ولا تمس القرآن إلا وأنت على طهر» «٢» ثم قال، فإن قيل: قد قال الواحدى أن أكثر أهل التفسير على أن المراد اللوح المحفوظ، وأن المطهرين الملائكة، ثم لو صح ما قلتم لم يكن فيها دليل لأن قوله لا يَمَسُّهُ «٣» بضم السين، ليس ينهى عن المراد ولو كان نهيا لكان بفتح السين، فهو إذا خبر.

قلنا: أما قول «أكثر المفسرين» فهو معارض بقول الباقين، والمرجع إلى الدليل، وأما كون المراد بالآية الخبر، فجوابه: أنا نقول: اللفظ لفظ الخبر ومعناه النهى، وهو كثير فى القرآن، قال الله تعالى: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها «٤» ، وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ «٥» . انتهى.


(١) سورة الواقعة: ٧٩.
(٢) صحيح: أخرجه مالك فى «الموطأ» (١/ ١٧٧) مرسلا: ووصله الدار قطنى فى «سننه» (١/ ١٢٢) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى، انظر «الإرواء» (١/ ١٦٠- ١٦١) .
(٣) سورة الواقعة: ٧٩.
(٤) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٥) سورة البقرة: ٢٢٨.