للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستباح دماء من كذبه وحريمهم وأموالهم، فكيف يليق بأحكم الحاكمين وأقدر القادرين أن يقر على ذلك، بل كيف يليق به أن يؤيده وينصره ويعليه ويظهره ويظفره بهم، فيسفك دماءهم ويستبيح أموالهم وأولادهم وبلادهم ونساءهم قائلا إن الله أمرنى بذلك، وأباحه لى؟ بل كيف يليق به أن يصدق بأنواع التصديق كلها، فيصدقه بإقراره، وبالآيات المستلزمة لصدقه، ثم يصدقه بأنواعها كلها على اختلافها، فكل آية على انفرادها مصدقة له، ثم يقيم الدلائل القاطعة على أن هذا قوله وكلامه، فيشهد له بإقراره وفعله وقوله، فمن أعظم المحال وأبطل الباطل، وأبين البهتان أن يجوز على أحكم الحاكمين أن يفعل ذلك.

والمراد بالرسول الكريم هنا محمد- صلى الله عليه وسلم- كما قدمته- لأنه لما قال: إنه لقول رسول كريم ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر ولا كاهن، والمشركون ما كانوا يصفون جبريل- عليه السّلام- بالشعر والكهانة.

ومن ذلك قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «١» . قيل المراد ب «الكتاب المكنون» اللوح المحفوظ.

قال ابن القيم: والصحيح أنه الكتاب الذى بأيدى الملائكة، وهو المذكور فى قوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ «٢» قال مالك: أحسن ما سمعت فى هذه أنها مثل الذى فى «عبس» ، قال: ومن المفسرين من قال: إن المراد أن المصحف لا يمسه إلا طاهر، والأول أرجح لأن الآية سيقت تنزيها للقرآن أن تتنزل به الشياطين، أن محله لا تصل إليه، كما قال تعالى: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ «٣» وأيضا:


(١) سورة الواقعة: ٧٥- ٧٩.
(٢) سورة عبس: ١٣- ١٦.
(٣) سورة الشعراء: ٢١٠، ٢١١.