للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: هل العلم بكونه- صلى الله عليه وسلم- بشرا، ومن العرب، شرط فى صحة الإيمان، أو هو من فروض الكفاية.

أجاب الشيخ ولى الدين بن العراقى: بأنه شرط فى صحة الإيمان. قال:

فلو قال شخص: أومن برسالة محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الخلق، ولكنى لا أدرى هل هو من البشر أو الملائكة، أو من الجن، أو لا أدرى أهو من العرب أو العجم، فلا شك فى كفره لتكذيبه للقرآن وجحده ما تلقته قرون الإسلام خلفا عن سلف، وصار معلوما بالضرورة عند الخاص والعام، ولا أعلم فى ذلك خلافا. فلو كان غبيّا لا يعرف ذلك وجب تعليمه إياه، فإن جحده بعد ذلك حكمنا بكفره. انتهى. فإن قلت: هل هو- صلى الله عليه وسلم- باق على رسالته إلى الآن؟

أجاب أبو المعين النفسى: بأن الأشعرى قال: إنه- صلى الله عليه وسلم- الآن فى حكم الرسالة، وحكم الشىء يقوم مقام أصل الشىء، ألا ترى أن العدة تدل على ما كان من أحكام النكاح. انتهى. وقال غيره: إن النبوة والرسالة باقية بعد موته- صلى الله عليه وسلم- حقيقة، كما يبقى وصف الإيمان بعد موته، لأن المتصف بالنبوة والرسالة، والإيمان هو الروح وهى باقية لا تتغير بموت البدن. انتهى.

وتعقب: بأن الأنبياء أحياء فى قبورهم، فوصف النبوة باق للجسد والروح معا.

وقال القشيرى: كلام الله تعالى لمن اصطفاه: أرسلتك أن تبلغ عنى، وكلامه تعالى قديم، فهو- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يوجد كان رسولا. وفى حال كونه وإلى الأبد رسولا، لبقاء الكلام وقدمه، واستحالة البطلان على الإرسال الذى هو كلام الله تعالى. ونقل السبكى فى طبقاته، عن ابن فورك أنه قال:

إنه- صلى الله عليه وسلم- حى فى قبره، رسول الله أبد الآباد على الحقيقة لا المجاز. انتهى.

وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ «١» .


(١) سورة الجمعة: ٢.