للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالجواب من وجوه:

أحدها: إجماع المفسرين وهو حجة.

والثانى: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «أنا دعوة أبى إبراهيم، وبشارة عيسى» «١»

قالوا: وأراد بالدعوة هذه الآية، وبشارة عيسى هى ما ذكر فى سورة الصف فى قوله: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ «٢» .

الثالث: إن إبراهيم إنما دعا بهذا الدعاء بمكة لذريته الذين كانوا بها وبما حولها، ولم يبعث الله تعالى إلى من بمكة إلا محمدا- صلى الله عليه وسلم-. وقد امتن الله تعالى على المؤمنين يبعث هذا النبى منهم على هذه الصفة فقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ «٣» الآية، فليس لله منة على المؤمنين أعظم من إرساله محمدا- صلى الله عليه وسلم- يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وإنما كانت النعمة على هذه الأمة بإرساله أعظم النعم، لأن النعمة به- صلى الله عليه وسلم- تمت بها مصالح الدنيا والآخرة، وكمل بسببها دين الله الذى رضيه لعباده.

وقوله: مِنْ أَنْفُسِهِمْ «٤» يعنى أنه بشر مثلهم، وإنما امتاز عليهم بالوحى. وقرئ فى الشواذ (من أنفسهم) - بفتح الفاء- يعنى من أشرفهم، لأنه من بنى هاشم، وبنو هاشم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل من غيرهم. ثم قيل: لفظ (المؤمنين) عام، ومعناه خاص فى العرب، لأنه ليس حى من أحياء العرب إلا وقد ولده، وخص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به أكثر، فالمنة عليهم أعظم.


(١) ذكره الهيثمى فى «المجمع» (٨/ ٢٢٣) عن العرباض بن سارية، وقال: رواه أحمد بأسانيد والبزار والطبرانى بنحوه، وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وقد وثقه ابن حبان.
(٢) سورة الصف: ٦.
(٣) سورة آل عمران: ١٦٤.
(٤) سورة آل عمران: ١٦٤.