للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجميع صفاته، فلا يصلح هذا الاسم بالحقيقة إلا له- صلى الله عليه وسلم- وللأقطاب من بعده بتبعيته لا بالحقيقة، وإن أطلق على غيره مجازا، ويرحم الله الأديب برهان الدين القيراطى فلقد أجاد حيث قال:

ودعتنى بالعبد يوما فقالوا ... قد دعته بأشرف الأسماء

ولبعض أهل الإشارات: كأن الله تعالى قال له: يا محمد، قد أعطيتك نورا تنظر به جمالى، وسمعا تسمع به كلامى، يا محمد، إنى أعرفك بلسان الحال معنى عروجك إلى، يا محمد، أرسلتك إلى الناس شاهدا ومبشرا ونذيرا، والشاهد مطالب بحقيقة ما يشهد به، فأريك جنتى لتشاهد ما أعددت فيها لأوليائى، وأريك نارى لتشاهد ما أعددت فيها لأعدائى، ثم أشهدك جلالى، وأكشف لك جمالى لتعلم أنى منزه فى كمالى عن الشبيه والنظير، والوزير والمشير، فرآه- صلى الله عليه وسلم- بالنور الذى قواه من غير إدراك ولا إحاطة فردا صمدا، لا فى شىء، ولا من شىء، ولا قائما بشىء، ولا على شىء، ولا مفتقرا إلى شىء، ليس كمثله شىء «١» ، فلما كلمه شفاها، وشاهده كفاحا، فقيل له: يا محمد لا بد لهذه الخلوة من سر لا يذاع ورمز لا يشاع، فأوحى إلى عبده ما أوحى، فكان سرّا من سر، لم يقف عليه ملك مقرب ولا نبى مرسل، وأنشد لسان الحال:

بين المحبين سر ليس يفشيه ... قول ولا قلم فى الكون يحكيه

سر يمازجه أنس يقابله ... نور تحير فى بحر من التيه

ولما انتهى إلى العرش تمسك العرش بأذياله، وناداه بلسان حاله: يا محمد، أنت فى صفاء وقتك من مقتك أشهدك جمال أحديته، وأطلعك على جلال صمديته، وأنا الظمان إليه اللهفان عليه المتحير فيه لا أدرى من أى وجه آتيه، جعلنى أعظم خلقه، فكنت أعظمهم منه هيبة، وأكثرهم فيه حيرة، وأشدهم منه خوفا. يا محمد، خلقنى فكنت أرعد لهيبة جلاله، فكتب على قائمتى، لا إله إلا الله فازددت لهيبة اسمه ارتعادا وارتعاشا، فكتب محمد


(١) هذا يتنافى مع خبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه لم ير ربه فى الحياة الدنيا.