للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَتَدَلَّى «١» وقوله: فَاسْتَوى «٢» وقوله: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى «٣» واحد، فلا يجوز أن يخالف بين المفسرين من غير دليل.

السابع: أنه سبحانه وتعالى أخبر أن هذا الذى دنا فتدلى كان بالأفق الأعلى، وهو أفق السماء، بل تحتها فدنا من الأرض فتدلى من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ودنو الرب تبارك وتدليه- على ما فى حديث شريك- كان فوق العرش لا إلى الأرض.

ثم نفى سبحانه وتعالى عن نبيه- صلى الله عليه وسلم- بقوله: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى «٤» ما يعرض للرائى الذى لا أدب له بين يدى الملوك والعظماء من التفاته يمينا وشمالا، ومجاوزة بصره لما بين يديه، وأخبر عنه بكمال الأدب فى ذلك المقام وفى تلك الحضرة إذ لم يلتفت جانبا ولم يمد بصره إلى غير ما أرى من الآيات، وما هناك من العجائب، بل قام مقام العبد الذى أوجب أدبه إطراقه وإقباله على ما أريه دون التفاته إلى غيره ودون تطلعه إلى ما لم يره مع ما فى ذلك من ثبات الجأش وسكون القلب وطمأنينته، وهذا غاية الكمال.

وقال فى «مدارج السالكين» : وفى هذه الآية أسرار عجيبة هى من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر، - صلوات الله وسلامه عليه-، تواطأ هناك بصره وبصيرته وتوافقا وتصادقا، فما شاهده بصره فالبصيرة مواطئة له، وما شاهدته بصيرته فهو أيضا حق مشهود بالبصر، فتواطأ فى حقه، أى: ما كذب الفؤاد ما رآه ببصره، ولهذا قرأها هشام وأبو جعفر ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى «٥» بتشديد الذال، أى لم يكذب القلب البصر بل صدقة وواطأه بصحة الفؤاد والبصر، وكون المرئى المشاهد بالبصر والبصيرة حقّا. وقرأ الجمهور ما كَذَبَ الْفُؤادُ «٦» بالتخفيف، وهو متعد، و «ما رأى» مفعوله، أى: أى ما كذب قلبه ما رأت عيناه بل واطأه ووافقه.


(١) سورة النجم: ٨.
(٢) سورة النجم: ٦.
(٣) سورة النجم: ٧.
(٤) سورة النجم: ١٧.
(٥) سورة النجم: ١١.
(٦) سورة النجم: ١١.