للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحجب، إذ الحجب إنما تحيط بمقدر محسوس، فالخلق كلهم محجوبون عنه تعالى بمعانى الأسماء والصفات والأفعال، وسائر المخلوقات من معانى الأنوار والظلمات كل له مقام من الحجب معلوم، وحظ من الإدراك والمعرفة مقسوم، وأقرب الخلق إلى الله تعالى الملائكة الحافون والكروبيون، وهم محجوبون بنور المهابة والعظمة والكبرياء والجلال والقدس والقيومية، حجب الذات بالصفات. وهم فى الحجب عنه على طبقات مختلفات، كل على مقام معلوم ودرجات.

وبالجملة، فالمخلوقات كلها ما كانت حجابا عن الخالق؟ فقوم حجبوا برؤية النعم عن المنعم، وبرؤية الأحوال عن المحول، وبرؤية الأسباب عن المسبب، وقوم حجبوا بالعلم عن المعلم وبالفهم عن المفهم، وبالعقل عن المعقل، وذلك كله من معنى حجاب النعم عن المنعم، والمواهب عن الواهب.

وقوم حجبوا بالشهوات المباحة، وقوم بالشهوات المحرمات والمعاصى والسيئات، وقوم حجبوا بالمال والبنين وزينة الحياة الدنيا. اللهم لا تحجب قلوبنا عنك فى الدنيا ولا أبصارنا عنك فى الآخرة يا كريم.

وقد ورد فى الصحيح عن أنس قال: (لما عرج بى جبريل إلى سدرة المنتهى. ودنا الجبار رب العزة جل جلاله فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى) «١» الحديث.

وهذا الدنو والتدلى المذكور فى هذا الحديث وغيره من أحاديث المعراج غير الدنو والتدلى المذكور فى قوله تعالى فى سورة النجم: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى «٢» . وإن اتفقا فى اللفظ. فإن الصحيح أن المراد فى الآية جبريل، لأنه الموصوف بما ذكر من أول السورة إلى قوله:

وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى «٣» . هكذا فسره النبى- صلى الله عليه وسلم- فى الحديث الصحيح.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٧٥١٧) فى التوحيد، باب: قوله وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً.
(٢) سورة النجم: ٨، ٩.
(٣) سورة النجم: ١٣، ١٤.