انتهى. وإذا كانت الخمر مباحة- لأنها إنما حرمت بالمدينة والإسراء كان بمكة- فما وجه تعيينه- صلى الله عليه وسلم- لأحد المباحين، وما وجه عد ذلك صوابا، وعد الآخر خطأ، وهما سواء فى الإباحة؟
فيحتمل أن يكون توقاها تورعا وتعريضا بأنها ستحرم، وأنه لما وافق الصواب فى علم الله تعالى قال له جبريل، أصبت الفطرة، أو أصبت أصاب الله بك، كما روى. وإذا قلنا: بأنها كانت من خمر الجنة فيكون سبب تجنبها صورتها ومضاهاة الخمر المحرمة، أى فى علم الله تعالى، وذلك أبلغ فى الورع. ويستفاد منه: أن من اتخذ من ماء الرمان أو غيره، ولو ماء قراحا، وضاهى به الخمر فى الصورة وهيأه بالهيئة التى يتعاطاها أهل الشهوات من الاجتماعات والآلات فقد أتى منكرا، وإن كان لا يحد عليها. قاله ابن المنير.
وينظر فيما يعمله كثير من فقراء اليمن وغيرهم بمكة المشرفة وجدة وغيرهما من ماء قشر البن ويسمونه بالقهوة، وهى اسم من أسماء الخمر.
وفى حديث ابن عباس- عند أحمد-: فلما أتى المسجد الأقصى قام يصلى، فلما انصرف جىء بقدحين فى أحدهما لبن، وفى الآخر عسل، فأخذ اللبن. وفى رواية البزار: بثلاثة أوانى، وأن الثالث كان خمرا، وأن ذلك وقع ببيت المقدس، وأن الأول كان ماء، ولم يذكر العسل. وفى حديث شداد بن أوس: فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذنى من العطش أشد ما أخذنى، فأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر عسل، ثم هدانى الله تعالى فأخذت اللبن. فقال شيخ بين يدى- يعنى لجبريل-: أخذ صاحبك الفطرة.
وقد كان إتيانه بالأوانى مرتين، مرة عند فراغه من الصلاة، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة. وممن صرح بأنه كان مرتين الحافظ عماد الدين بن كثير، وعلى هذا فيكون تكرار جبريل- عليه السّلام- للتصويب حيث اختار اللبن تأكيدا للتحذير مما سواه.
وقد أنكر حذيفة ربط البراق بالحلقة، فروى أحمد والترمذى من حديث