وفى مغازى ابن عائذ، من طريق الزهرى عن سعيد بن المسيب قال:
البراق هى الدابة التى كان يزور إبراهيم عليها إسماعيل. وعلى هذا فلا يكون ركوب البراق من خصائصه- صلى الله عليه وسلم-. نعم قيل: ركوبه مسرجا ملجما لم يرد لغيره من الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. فإن قلت: ما وجه استصعاب البراق عليه؟
أجيب: بأنه تنبيه على أنه لم يذلل قبل ذلك، إن قلنا إنه لم يركبه أحد قبله، أو لبعد العهد بركوبه إن قلنا إنه ركب قبله. ويحتمل أن يكون استصعابه تيها وزهوا بركوبه- صلى الله عليه وسلم-، وأراد جبريل «أبمحمد تستصعب» استنطاقه بلسان الحال أنه لم يقصد الصعوبة وإنما تاه زهوا لمكان الرسول- صلى الله عليه وسلم- منه، ولهذا قال: فارفض عرقا، فكأنه أجاب بلسان الحال متبرئا من الاستصعاب، وعرق من خجل العتاب، ومثل هذا رجفة الجبل به حتى قال:
«اثبت فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان»«١» فإنها هزة الطرب لا هزة الغضب. وكذلك البراق لما قال له جبريل: اسكن فما ركبك أحد أكرم على الله منه استقر وخجل من ظاهر الاستصعاب وتوجه الخطاب فعرق حتى غرق.
ووقع فى حديث حذيفة عند الإمام أحمد قال: أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالبراق فلم يزل على ظهره هو وجبريل حتى انتهيا إلى بيت المقدس. وهذا لم يسنده حذيفة عن النبى- صلى الله عليه وسلم-، فيحتمل أنه قاله عن اجتهاد، ويحتمل أن يكون قوله:«هو وجبريل» متعلقا بمرافقته فى السير، لا فى الركوب. وقال ابن دحية معناه: وجبريل قائد أو سائق أو دليل، قال: وإنما جزمنا بذلك لأن قصة المعراج كانت كرامة للنبى- صلى الله عليه وسلم-، فلا مدخل لغيره فيها.
وقد تعقب الحافظ ابن حجر التأويل المذكور: بأن فى صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود: أن جبريل حمله على البراق رديفا له، وفى رواية الحارث فى مسنده: أتى بالبراق فركبه خلف جبريل فسار بهما. فهذا صريح فى ركوبه معه، والله أعلم، انتهى.