للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا نظائر كثيرة بين المتكلمين وآثار النبوة، ويقع الجمع بينهما على الأسلوب الذى قررناه وما أشبهه. ثم مثل بمجىء الموت فى هيئة كبش أملح، ثم بالأذكار والتلاوة، ثم قال: لأن ما ظهر منها هنا معان، وتوجد يوم القيامة جواهر محسوسات لأنها توزن، ولا يوزن فى الميزان إلا الجواهر.

قال: وفى ذلك دليل لأهل الصوفية وأصحاب المعاملات والتحقيق القائلين بأنهم يرون قلوبهم وقلوب إخوانهم، وإيمانهم وإيمان إخوانهم بأعين بصائرهم جواهر محسوسات، فمنهم من يعاين إيمانه مثل المصباح، ومنهم من يعاينه مثل الشمعة، ومنهم من يعاينه مثل المشعل وهو أقواها. ويقولون: بأنه لا يكون المحقق محققا حتى يعاين قلبه بعين بصيرته، كما يعاين كفه بعين بصره فيعرف الزيادة فيه من النقصان «١» .

فإن قيل: ما الحكمة فى شق صدره الشريف ثم ملئ إيمانا وحكمة، ولم لم يوجد الله تعالى ذلك فيه من غير أن يفعل فيه ما فعل؟

أجاب العارف ابن أبى جمرة: بأنه- صلى الله عليه وسلم- لما أعطى كثرة الإيمان والحكمة وقوى التصديق إذ ذاك، أعطى برؤية شق البطن والقلب عدم الخوف من جميع العادات الجارية بالهلاك، فحصلت له- صلى الله عليه وسلم- قوة الإيمان من ثلاثة أوجه: بقوة التصديق، والمشاهدة، وعدم الخوف من العادات المهلكات فكمل له- صلى الله عليه وسلم- بذلك ما أريد منه من قوة الإيمان بالله عز وجل، وعدم الخوف مما سواه. ولأجل ما أعطيه مما أشرنا إليه كان- صلى الله عليه وسلم- فى العالمين أشجعهم وأثبتهم وأعلاهم حالا ومقالا.

ففى العلوى: كان- كما أخبر- صلى الله عليه وسلم- أن جبريل لما وصل معه إلى مقامه قال: ها أنت وربك، وهذا مقامى لا أتعداه، فزج فيه- أى فى النور- زجة ولم يتوان ولم يتلفت، فكان هناك فى الحضرة كما أخبر عنه ربه عز وجل بقوله: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى «٢» . وأما حاله- صلى الله عليه وسلم- فى هذا


(١) قلت: الإيمان عند أهل السنة والجماعة، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ويستشعر بذلك المؤمن مع نفسه.
(٢) سورة النجم: ١٧.