للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: «اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون» «١» ، زاده الله شرفا. وقوله: «ثم أتيت بطست من ذهب» إنما أتى بالطست لأنه أشهر آلات الغسل عرفا.

فإن قلت: إن استعمال الذهب حرام فى شرعه- صلى الله عليه وسلم- فكيف استعمل الطست الذهب هنا؟

أجاب العارف ابن أبى جمرة: بأن تحريم الذهب إنما هو لأجل الاستمتاع به فى هذه الدار، وأما فى الآخرة فهو للمؤمنين خالصا، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «هو لهم فى الدنيا وهو لنا فى الآخرة» «٢» قال: ثم إن الاستمتاع بهذا الطست لم يحصل منه- صلى الله عليه وسلم- وإنما كان غيره هو السائق له والمتناول لما كان فيه حتى وضعه فى القلب المبارك. فسوقان الطست المبارك من هناك، وكونه كان من ذهب دال على ترفيع المقام فانتفى التعارض بدليل ما قررناه.

انتهى.

وتعقبه الحافظ ابن حجر: بأنه لا يكفى أن يقال: إن المستعمل له ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة، لأنه لو كان قد حرم عليه استعماله لنزه أن يستعمله غيره فى أمر يتعلق ببدنه المكرم. ويمكن أن يقال: إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا، وما وقع فى تلك الليلة كان الغالب أنه من أحوال الغيب، فيلحق بأحوال الآخرة، أو لعل ذلك قبل أن يحرم استعمال الذهب فى هذه الشريعة. ويظهر هاهنا مناسبات: منها أنه من أوانى الجنة، ومنها أنه لا تأكله النار ولا التراب، وأنه لا يلحقه الصدأ، ومنها أنه أثقل الجواهر فناسب قلبه- صلى الله عليه وسلم- لأنه من أوانى أحوال الجنة، ولا تأكله النار ولا التراب، وإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، ولا يلحقه الصدأ، وأنه أثقل من كل قلب عدل به، وفيه مناسبة أخرى وهى ثقل الوحى فيه. انتهى.


(١) قلت: هو عند البخارى (٣٤٧٧) فى أحاديث الأنبياء، باب: حديث الغار، ومسلم (١٧٩٢) فى الجهاد والسير، باب: غزوة أحد، من حديث ابن مسعود- رضى الله عنه- قال: كأنى أنظر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحكى نبيّا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «رب اغفر لقومى، فإنهم لا يعلمون» .
(٢) صحيح: وهو جزء من حديث أخرجه البخارى (٥٤٢٦) فى الأطعمة، باب: الأكل فى إناء مفضض، ومسلم (٢٠٦٧) فى اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، من حديث حذيفة- رضى الله عنه-.