للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرس، لا ذكر ولا أنثى، فهو حقيقة أخرى كالملائكة، فإنهم خارجون عن فحوى قوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) الآية ٤٩ من سورة الذاريات في ج ٢ إذ لا عموم إلا وخص منه البعض، قال وكان سرجه من اللؤلؤ وركاباه من الزبرجد، ولجامه من الياقوت الأحمر يتلألأ النور من حليته، وقال ما رأيت دابة أحسن منها، وقال جبريل اركبه حتى تمضي إلى دعوة ربك، قال فأخذ بلجامها جبريل، وبركابها ميكائيل، ووضع يده على خلفها إسرافيل، فقصدت أن أركبها فجمحت، وأبت أن تذعن، فوضع جبريل يده على وركها وقال لها أما تستحين مما فعلت، فو الله ما ركبك أحد أكرم منه على ربه، فرشحت عرقا من الحياء، وقيل في هذا:

ما كدى الميمون وانحلت عزائمه ... وأنت أنت الذي باليمن لاجمه

وإنما شهد الأملاك ساجدة ... إلى علاك فانحلت عزائمه

قال ابن دحية ووافقه الإمام النووي إن البراق لم يركبه أحد قبل النبي محمد صلّى الله عليه وسلم وإن قول جبريل ما ركبك أحد إلخ لا ينافيه، لأن السالبة تصدق بنفي الموضوع وقالت يا جبريل لم أستصعب منه، ولكن أريد أن يضمن لي الشفاعة يوم القيامة لأني علمت أنه أكرم الخلق على ربه، فضمن لها ذلك، فركبها قال صلّى الله عليه وسلم: فانطلق البراق يهوي يضع حافره حيث ينتهي طرفه. واعلم أن الخلاف في المعراج والإسراء على ثلاثة أقوال: الأول أنه أسري بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات إلى أن رأى ربه بعين رأسه كما سيأتى تفصيله، وهذا ما عليه الجمهور من أهل السنة والجماعة. الثاني أنه أسري بروحه وجسده يقظة وعرج بروحه فقط، والقائلون بهذا ينكرون المعراج الحسيّ وسبق أن بينا آنفا أنهم يفسقون شرعا. الثالث أنه أسري به وعرج به مناما، وأصحاب هذا القول يكفرون كما مرّ بك، لأن مثل هذا يتيسر لكثير من الناس، ولا معنى حينئذ لاستعظامه وإنكاره، ولا حاجة لتصادم الآراء فيه والقول باستحالته، ولا لزوم لطلب الدليل عليه، لأن النائم قد يرى نفسه في الشرق والغرب والسماء ولا يستبعده أحد، وما قيل إن لفظ الرؤيا الواردة بالآية ٦٠ الآتية تختص بالنوم

<<  <  ج: ص:  >  >>