للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطلق الوحي على الكتابة عند العرب قال عنترة:

كوحي صحائف من عهد كسرى ... فأهداها لأعجم طمطميس

وقد فسر ما أشار به إليهم بقوله «أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ١١ أي نزهوا ربكم عما هو من شأن كافة الحوادث صباح مساء، ففعلوا، قالوا فكان الحمل وكانت الولادة عند تمام مدتها، وقال تعالى مخاطبا لذلك المولود المبارك عند ولادته «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ» التوراة، لأنه لم ينزل بعد موسى كتاب فيه أحكام غيرها، أما الزبور الذي أنزل على داود فيه أذكار وأمثال، وأما الإنجيل فلم ينزل بعد حيث أنزل على ابن خالته عيسى عليه السلام الذي بعده بستة أشهر، أي خذه أخذا «بِقُوَّةٍ» جد وحزم وعزم، واجتهد أن تعمل به وتأمر قومك بالعمل به، قال تعالى «وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ١٢ أي النبوة التي لم تعط لمثله قبله قط ولا بعده إلا لعيسى عليه السلام، لانها مبنية على خرق العادة، ولله أن يعطيها من يشاء من خلّص من عباده بمحض الفضل، فإذا ثبت هذا وهو ثابت محقق فلا يمنع صيرورة الصبي نبيا لان نبوته على صغره أمر خارق للعادة أيضا ولا شك أن الله تعالى أحكم عقله وأهله لوحيه. روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ذلك إنه أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين. وجاء في رواية أخرى عنه مرفوعا أنه قال قال العلمان ليحيى بن زكريا عليهما السلام اذهب بنا نلعب، فقال اللّعب خلقنا؟ اذهبوا نصلي فهو قوله تعالى (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) وأكثر المفسرين على أن الحكم الذي أعطاه الله إياه هو النبوة، وما ذكر أنه الفهم بسبب قراءته التوراة وهو صغير مستدلا يقول بعض السلف: من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فقد أوتي الحكم، ليس بشيء. قال تعالى «وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا» أعطيناه أيضا رحمة ورأفة وشفقة على أبويه وغيرهما، لأنه نبي مرسل وهذه الصفات من مقتضيات النبوّة. قال الحطيئة يخاطب عمر رضي الله عنه

تحنن عليّ هداك المليك ... فإن لكل مقام مقالا

أي ترحم. ويطلق الحنان على الله جل شأنه، ولا وجه لمن منع إطلاقه عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>