أبي بكر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟
قلنا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.. وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ويسخم وجهه ويطوف به بالأسواق. فليتنا نفعل بعض هذا في هؤلاء الذين تجارأوا على الله في شهاداتهم وأتلفوا حقوق ذوي الحقوق. اللهم سخر عبادك لاتباع الهدى وسلوك سنن الصلاح واجعلهم داخلين في قولك «وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً» ٧٢ معرضين عنه لا يلتفتون إليه ولا يلقون له بالا، وأسرعوا عن أهله تنزيها لأنفسهم الطاهرة من أن يسمعوا كلام الغواة المتفحشين بالكلام البذيء الذي يجب أن يتباعد عنه وعلى العقلاء أن يعرضوا عن أهل اللغو ولا يجالسوهم ولا يرافقوهم حفظا لكرامتهم وهيبة لوقارهم واحتراما لمكانتهم وإهانة لهم، أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن ميسرة قال: بلغني أن ابن مسعود مر بلهو معرضا ولم يقف فقال صلى الله عليه وسلم لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما، ثم تلا هذه الآية. فالوقوف مواقف هؤلاء والخوض معهم قد يؤدي للانخراط معهم ولذلك وصف صلى الله عليه وسلم ابن مسعود بالكرم لإعراضه عن اللهو، فمن أراد أن يكون كريما عند الله وعند الناس فلا يقفنّ مواقف التهم.
ولا معنى لقول من قال أن هذه الآية منسوخة بآية القتال لأن الإعراض عن مثل هذا مطلوب قبل الأمر بالقتال وبعده ثم ذكر صفتهم عند ما يوعظون فقال «وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ» أو زجروا فيها وحذروا مخالفتها فسمعوها سماع قبول بدليل قوله «لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها» أي يسقطوا وينكبوا «صُمًّا وَعُمْياناً» ٧٣ بأن لا يلقوا لها بالا، بل يتلقون تلك الآيات التي ذكروا بها بالقبول، ويعوها بالإذعان، ويرعوها بالطاعة، ويخروا لها سجدا وبكيا، بآذان واعية وقلوب منكسرة وقوالب خاضعة مخبته، لا كالكفرة الذين لا يسمعونها إذا تليت ولا يعقلونها ولا ينظرون إليها ولم يقبلوها ولم يستكينوا لربهم.