دعائهم ووصفهم في عدم التعدي على الغير بقوله «وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» المزيل لحرمتها وعصمتها كالكفر بعد الإيمان والزنى بعد الإحصان والقصاص «وَلا يَزْنُونَ» أي أنهم مبرّءون من هذه الخبائث التي كان عليها الجاهليون وأنهم مطهرون من كل سوء، وهذا تعريض بالمشركين الذين كانوا يعملون الكبائر القبيحة كهذه «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ» كله أو شيئا منه بأن يزني أو يقتل بغير حق أو يرتد عن دينه والعياذ بالله «يَلْقَ أَثاماً» ٦٨ عقابا كثيرا لا يقادر قدره وقري يلق بضم الياء وتشديد القاف وفتح اللام، وقريء ابن مسعود أيامى بالياء أي شدائد يقال إلى يوم أيام أي شديدا عظيما، ويلقى بالألف المقصورة، كأنه نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فأقرّت الألف، وقد ذكرنا غير مرة أن هذه القراءات التي لا زيادة فيها ولا نقص من حيث الحروف جائزة، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال قال رجل يا رسول الله أي الذّنب أكبر عند الله؟ قال أن تدعو مع الله ندا وهو خلقك.
قال ثم؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال ثم؟ قال تزني بحليلة جارك. فأنزل الله هذه الآية تصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم. والأثام قد يأتي بمعنى الجزاء قال عامر بن الطفيل:
وروينا الأسنة من صداء ... ولاقت حمير منها أثاما
هذا وإن من يفعل هذه الأشياء «يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» بحسب مضاعفته عصيان ربه وتعدد المعاصي «وَيَخْلُدْ فِيهِ» أي العذاب لأن الكفر والشرك واستحلال قتل النفس والزنى تقتضي التخليد بالنار إذا لم يتب ومات مصرا على ذلك كما سيأتي، وقرىء فيه بإشباع الهاء بالكسر ولا يوجد في القرآن مثله وكذلك كلمة «مُهاناً» ٦٩ أي ذليلا حقيرا مخزيا «إِلَّا» استثناء من الجنس في موضع النصب لا استثناء المؤمن قد بدل اعتبار الكفر في المستثنى منه «مَنْ تابَ» ومات على توبته «وَآمَنَ» بربه وكتابه ورسوله إيمانا صادقا «وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً» فيما بينه وبين ربه وبين الناس بعد توبته.