ومما يؤيد ما اخترناه لتفسير هذه الآية على الوجه المار ذكره، قوله تعالى «وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١٥٣» لأن حكمها عام يدخل فيه عبدة العجل وغيرهم مهما عظمت جنايتهم، وهي من أعظم البشارة للمذنبين التائبين، لأن الذنوب مهما عظمت فعفو الله أعظم وما أحسن ما قيل:
أنا مذنب أنا مسرف أنا عاصي ... هو غافر هو راحم هو عافي
قابلتهن ثلاثة بثلاثة ... وستغلبن أوصافه أوصافي
وقول أبي نواس:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بان عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فبمن يلوذ ويستجير المجرم
وقوله أيضا:
إذا كنت بالميزان أوعدت من عصى ... فوعدك بالغفران ليس له خلف
لئن كنت ذا بطش شديد وقوة ... فمن جودك الإحسان والمن واللطف
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
قال تعالى مبينا بقية ما وقع لموسى مع قومه «وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ» أي سكنت ثورته استعاد السكوت للسكوت لأنه بمعناه وقرأ معاوية ابن قرة سكن وهي تصحيف أيضا «أَخَذَ الْأَلْواحَ» التي القاها على الأرض حال شدة الغضب عند مشاهدة طائفة من قومه عاكفين على عبادة العجل «وَفِي نُسْخَتِها» المكتوب عليها التوراة «هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ