ورمزت إلى لزوم مراجعتها، حتى لا أضطر إلى التكرار الذي تباعدت عنه جهد المستطاع خشية الإطالة، ولذلك أثبت عدد الآيات في تفسيري هذا حتى إذا ماروت بما يتعلق بآية أشرت إليها بعددها وسورتها والجزء التي هي فيه كي يسهل على القاري مراجعتها دون كلفة، وكذلك الآيات التي لها نظائر في القرآن أشرت إلى نظائرها على ذلك المنوال، وفي كلّ هذا أراني منشرح الصّدر، طيب النفس، شديد الرّغبة، لا تعتريني ملالة ولا ضجر ولا انقباض ولا انكماش، لأني كلما أتيت شيئا مهما كان تعبي فيه أعقبه سرور كثير، ورحم الله شيخنا الشيخ حسين الأزهري إذ كان يقول لنا أثناء الدّرس: إن طالب العلم إذا وقف على مسألة لم يفهمها قبل، يحصل له انبساط عظيم وفرح جزيل فيقول أين أبناء الملوك من هذه اللّذة، وحقيقة والله، وكم مرة قلتها وأنا منشرح الصّدر متسع الخاطر، ولهذه اللّذة تزاحم المؤمنون على تفسير كلام الله الذي لا يمل رائده ولا يأم حتى صارت التفاسير لا تكاد تحصر عدا، لأن من يمعن نظره وينعم ناظره لا يستطيع إهمال ما يظهر له من إضاءة قلبه، وقد دوّنوا فيه ما يدهش لب العاقل ويذهل عقل اللّبيب، ولكن النّفوس لم تشبع منه، كما أنها لا تمل من قراءة القرآن مهما كررته، ورحم الله الأبوصيري إذ يقول:
فلا تعد ولا تحصى عجائبها ... ولا تسام على الإكثار بالأم
ويعجبني ما قال العماد الكاتب ما ألف أحد كتابا إلّا قال في غده لو قدمت أو أخرت بما يدل على عجز عموم البشر والتفرد بالكمال لخالقهم. لهذا فإني أتخيل بعد طبع هذا السّفر البديع الصّنع الذي لم يطرقه قلبي طارق عكوف العلماء على ما جريت عليه وإظهار تفاسير جمة من نوعه إن شاء الله تكون أكثر نفعا من غيرها، إذ لا ترى سابقا إلّا وله لا حقا يهذّب ما صعب منه، وينتقد ما ملح فيه، فيعذب مرة، ويزيد كرة، ويثبت ما لم نقف عليه من تاريخ بعض السّور والآيات، وما لم نعثر عليه من الوقائع والحوادث والغايات وأسباب النّزول حتى يبلغ الدّرجة القصوى في هذا الفنّ إن شاء الله. وقد ألمعنا إلى بعض هذا وما يحتاجه القاري في خاتمة المطالب التي أثبتناها في الجزء الأوّل،