للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهما وبصرنا بعيوبنا «لِنُبَيِّنَ لَكُمْ» أيها النّاس كمال قدرتنا وبالغ حكمتنا ولتعلموا أن من يقدر على هذا الخلق ابتداء يقدر على الاعادة لا محالة «وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ» من هذه النّطفة المخلقة فنبقيها فيه ونحفظها ونربتيها «إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» عندنا فنسقط منها ما نشاء حسبما اقتضته حكمتنا قبل تمام خلقه ونبقي منها ما نريد بمقتضى إرادتنا «ثُمَّ» تقضي قدرتنا الأزلية با كماله وبعد تمام الأجل المقدر له من علمنا «نُخْرِجُكُمْ» من بطون أمهاتكم بواسطة وبغير واسطة «طِفْلًا» ولا تزالون برعايتنا حتى تشبّوا «ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ» من كمال العقل والقوة والتميز وأنتم بأعيننا «وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى» قبل ذلك «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ» وهو حالة الهرم والخوف، ومنكم من يعمر كثيرا وهو مالك لحواسه كافة، عالم ما علمه، كالأنبياء وبعض العلماء والعارفين، لأنهم لا يتناولهم النقص

، أما غيرهم فقد يرجعون لحالة الطّفولة «لِكَيْلا يَعْلَمَ» شيئا «مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ» كان يعلمه قبل الكبر «شَيْئاً» أبدا لأنه ينساه ولا يخطر بباله حيث يفقد العقل والتمييز، راجع نظير هذه الآية الآية ٧١ من سورة النحل في ج ٢ ونظيرتها الآية ٦٨ من سورة يس في ج ١ تجد ما به الكفاية في هذا الشّأن. وهذا دليل حسي على البعث بعد الموت، وفي الدّلائل الحسية أيضا «وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً» ميتة يابسة لا شيء فيها ونظيرتها آية فصلت ٤٠ خاشعة راجعها في ج ٢ أي ذليلة وهما من حيث المعنى سواء «فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ» بالنبات والأزهار «وَرَبَتْ» انتفخت وارتفعت لتغلغل الري فيها وخروج النّبات منها «وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» (٥) يسر الناظر حسنه واستواؤه وجماله راجع الآية ٦٧ من سورة المؤمن في ج ٢ تجد ما يتعلق بهذا البحث بصورة واضحة «ذلِكَ» الذي ذكر من كيفية بدء الخلق وإحياء الأرض والنّبات لتعلموا أيها النّاس «بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ» لا ريب فيه في ذاته وأفعاله وأوامره لا من غيره «وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (٦) لا يعجزه شيء وإن إعادة من خلقه هي أهون عليه من خلقه ابتداعا «وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>