المعلّق قلبها عند رضيعها تغفل عنه وتتركه بل تنساه ولا يخطر ببالها وإن الحاصل لعظيم ما ترى تسقط ما في بطنها وهي لا تشعر به قبل تمام مدته، وهو لا يسقط بذلك إلّا بأسباب باهظة وعمليات متعبة منهكة. «وَتَرَى النَّاسَ»
أيها النّاظر إليهم إذ ذاك إذا تأتي منك النّظر «سُكارى»
بلا شراب حياري لهول ما يشاهدون من الخوف القاطع للقلوب «وَما هُمْ بِسُكارى»
حقيقة، ولكنهم على هيئة وصورة الثمل الغافل الحائر مما يشاهد ما يحل به وبغيره في ذلك الموقف العظيم، إذ تتفتت فيه الأكباد، وترتعد فيه الفرائض، وتتلجلج فيه القلوب، فتبلغ الحناجر لأن ما هم قادمون عليه ليس بملك ظالم ولا سلطان غاشم يؤمل الخلاص منهما «وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»
(٢) لا مخلص منه، لذلك قد أرهقهم خوف لحوقة بهم وأذهب عقولهم رؤياه، فأفقدهم رشدهم، وأضاع تمييزهم، وأزال معرفتهم حالهم، وأشغل كلا بنفسه.
مطلب في أهوال القيامية وكيفية الخلق وترتيبه وما قاله صاحب الجمل:
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول الله تعالى يوم القيامة يا آدم، فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك، فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج بعث النّار، قال يا رب وما بعث النّار؟ قال في كلّ الف تسعمائة وتسع وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى النّاس سكارى الآية، فشق ذلك على النّاس حتى تغيرت وجوههم، قالوا يا رسول الله أينا ذلك الرّجل؟ فقال صلّى الله عليه وسلم من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسع وتسعون، ومنكم واحد، ثم أنتم في النّاس كالشعرة السّوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وفي رواية كالرقمة في ذراع الحمار (الرقمة معروفة وهي كالفلس في ذراع الحمار والبغل أيضا)(وإني لأرجو أن تكونوا رباع أهل الجنّة، فكبرنا، ثم قال ثلاث أهل الجنّة، فكبرنا، ثم قال شطر أهل الجنّة، فكبرنا. قال تعالى «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ» لشدة جهله «وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ» (٣) متشيطن مضلّ عات في جداله. واعلم أنه لا يوقف على مريد لأن ما بعده صفة له، ولذلك