يريد الله، ومن احترامه ألّا يرفعوا صوتهم بندائه، وإذا علم المنادي أن حضرة الرسول سمعه ولم يرد عليه فلينظر ولا يكرر النّداء فلعله شغل عنه بفكر أو بمخاطبة غيره أو كان في حالة تستدعي عدم الرّد كنزول الوحي أو حالة الوعظ وشبهها وسيأتي لهذا البحث صلة في سورة الحجرات الآتية إن شاء الله. وتشير أيضا إلى احترام المعلمين والمدرسين والأساتذة وسائر أهل الفضل، لأنهم يعلمون النّاس الخير وهذه الآيات من ٥٨ إلى هنا والآية ٢٩ إلى ٣٥ المارات في آداب القرآن التي يريد الله تعالى أن يتأدب عباده بها صونا لأخلاقهم من المفاسد المذمومة. ثم ذم الله المنافقين المخالفين لهذه الآداب بقوله «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ» واحدا بعد واحد فيتسللون «مِنْكُمْ لِواذاً» فيلوذ الواحد بالآخر ويستتر به لئلا يحس بانسحابه من المجتمع، وذلك أنهم قاتلهم الله كان يثقل عليهم المقام مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويملّون من استماع خطبه ومواعظه القيمة ومحاضراته النّافعة، لأن وغر النّفاق أوقر قلوبهم، ودين الحسد أصدا صدورهم، وضيّقها عن سماع الحق وقبوله وعن نصحه وإرشاده، فصارت قلوبهم ضيّقه حرجة مظلمة لا تستطيع الاكتساب من نوره الفائض على القلوب الطّاهرة، وأين للخفاش من مصاحبة النّور راجع الآية ١٢ من سورة المؤمن في ج ٢ وما ترشدك إليه مما يتعلق في هذا البحث. ثم هددهم الله تعالى وأوعدهم بقوله
«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» فيعرضون عنه ويصدون غيرهم من «أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ» بلاء ومحنة في الدّنيا لا يتخلّصون منه «أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ٦٣» في الآخرة يلازمهم فيها لا يطيقونه. ثم نبّه عباده عما لا بد لهم من التفكر فيه فقال «أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» وأنتم أيها النّاس من جملة ما فيها فاحذروا مخالفة خالقهما الذي لا يعجزه شيء. واعلموا أن مخالفته موجبة لإيقاع الفتنة بينكم بالدنيا والعذاب بالآخرة وأنه جل علمه «قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ» من الإيمان الخالص والمشوب بالنفاق ويعلم منكم الطّيب والخبيث علما حقيقيا وهو من بعض معلوماته.
قد المفيدة للتقليل أحيانا كما هنا «وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ» يعلمه الله بل يعلم اللحظة التي تفارقون بها هذه الدّنيا وتمتثلون بها أمام عظمته في الموقف العظيم،