غيرهم، وكان أمثال هؤلاء يأتون إلى الرّجل فلا يجد ما يكفيهم فيأخذهم لبيت أخيه أو بيت من سمى الله في الآية الآتية فيتأثمون من ذلك، فأنزل الله جل شأنه ثانيا «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ» أيها الأصحاء حرج «أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ» بيوت أزواجكم وأولادكم، لأن بيوت الأزواج والأولاد بيوت الزوج والأب، إذ الزوجان نفس واحدة، فبيت الزوج بيت المرأة وبالعكس وبيت الولد بيت الوالد وبالعكس، لقوله صلّى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك. فيكون بيت الولد بيت الوالد، ولهذا لم يذكرهما الله «أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ» من وكلائكم والقيمين على مصارفكم وأموالكم وماشيتكم وضياعكم وعبيدكم وخدمكم وإماءكم، لأن العبد وما ملكت يداه لسيده «أَوْ صَدِيقِكُمْ» الذي يصدقكم وتصدقونه في المودة، لأن الأكل عند الصّديق والهدية له ومنه تزيد في المحبة، وتقوي عرى المودة، وتعظم الثقة، وقد كان السّلف الصالح يدخلون دور أصدقائهم فيأخذون منها ما يشاءون، وإذا جاءهم ضيف ولم يجدوا ما يقدمونه، دخلوا دور أصدقائهم وأخذوا منها ما يقرون به ضيفهم دون استئذان بالأخذ لا بالدخول لأن ذلك واجب عليهم، وهم أولى بأن يتحاشوا عنه ويتقيدوا بشروطه المارة في الآية ٣٩، وإذا كانوا غائبين وأخبرهم عبيدهم وأهلهم بما فعل صديقهم من هذا يسرّون به، وقد يعتقون عبيدهم لعدم معارضتهم فيما أخذه أصدقاؤهم من بيوتهم. أما الآن فقد غلب الشّح على النّاس، فلا يفعل شيء من هذا إلّا بإذن، وقد لا يحصل إلّا باستدانة أو قرض وقد لا يحصل أبدا. وقال ثالثا «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً» مع المرضى والعرج والعميان وغيرهم «أَوْ أَشْتاتاً» متفرقين إذا لم تسمح لكم أنفسكم بمؤاكلتهم، كان بنو ليث لا يأكلون وحدهم حتى يجدوا أضيافا، وربما قعد أحدهم ينتظر أضيافا والأكل أمامه حتى الصّباح ومن الصّباح حتى الرّواح ينتظرون أيضا حضور من يأكل معهم