الظانون أن الأصنام تشفع لكم وأن الملائكة تقيكم من عذاب الله تعالى، «وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ» الزاعمين أنهم لا يعذبون إلا أياما معدودات، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الجنة لا يدخلها غيرهم كذبا، لأن أعمالهم سيئة لا تؤهلهم لدخولها، قبيحة تبعدهم عنها، وإن رسلنا موسى وعيسى سيتبرءون من أعمالهم لمخالفتهم تعاليمها ووصاياهم وما ركبوه من أعمال سيئة. وقال تعالى «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ» بحسبه «وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً»(١٢٣) وهذه الآية عامة وإن كانت واردة بمعرض من ذكر فيدخل في عمومها كل من يقترف السوء ويموت مصرا عليه، وكذلك قوله تعالى «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ» عام أيضا يشمل كل عامل خيرا إذا مات عليه فاختاروا أيها الناس أي الأمرين تريدون ولما سمع أهل الكتاب ظاهر الآية الأولى قالوا نحن وأنتم سواء، لأن غير المؤمن لا ينفعه عمله الصالح في الآخرة بل يكافيه عليه بالدنيا، فأنزل الله هذه الآية بإثبات لفظ المؤمن «فَأُولئِكَ» فاعلو الصلاح وهم مؤمنون «يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» بما أسلفوه من العمل الصالح وبفضل الله «وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً»(١٢٤) فلا ينقص ثوابهم بقدر النقرة التي بظهر النواة ولا أقل منها، وهذه الكلمة تجيء مجيء ضرب المثل بعدم النقص بتاتا قال تعالى «وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» وهذا أحد الأمرين المبني.
عليهما الإسلام وهما الاعتقاد المذكور في صدر الآية والعمل المشار إليه بقوله في عجزها «وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً» وذلك لأن شريعته داخلة في شريعة محمد صلّى الله عليه وسلم «وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا»(١٢٥) صفيا، كما اتخذ محمدا حبيبا. روى مسلم عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا خير البرية، فقال صلى الله عليه وسلم ذلك ابراهيم خليل الله. وهذا تواضعا منه صلّى الله عليه وسلم وهضما لنفسه، وإلا فهو لا شك خير البرية على الإطلاق «وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً»(١٢٦) فكل شيء تحت قبضته. وإنما قال محيطا لأنه جل شأنه لما دعا عباده في الآيات المتقدمة إلى طاعته بين لهم في هذه سعة ملكه ترغيبا لخلقه.