المشركين بقبضة التراب «وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى» إذ أمر الريح بإيصاله لكل منهم، وهو الذي أمر جبريل أن يقول لك ذلك فهو المسبب الحقيقي لإصابة رميتك وجوه الكفار كافة حتى دخل أعينهم ومناخرهم، لأنك لا تقدر على ذلك، وإنما كنت سببا ظاهرا، وإذا كان الله تعالى يقول لحبيبه بأنه لم يرم وإنما الرامي هو جل جلاله، فلأن لا يفتخر أصحابه بما وقع منهم في هذه الحرب من قتل وأسر ونهب ورمي وسلب من باب أولى، لأن الله هو الذي أقدرهم على ذلك فنصرهم وخيب أعداءهم «وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ» فينعمه عليهم «بَلاءً حَسَناً» جميلا وقد فسر عامة المفسرين هذا البلاء بالنعمة، ويجوز تفسيره بالاختبار، أي أنه اختبرهم بهذه الحادثة اختبارا حسنا فكانوا عنده كما هم في علمه «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لما تقولون أيها المؤمنون «عَلِيمٌ (١٧) » بما تضرونه لا يخفى عليه حالكم «ذلِكُمْ» البلاء الذي اختبركم الله به هو منه وحده «وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ» مضعف وما حق «كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) » ومبطل مكرهم وحيلهم. قالوا لما خرج المشركون لقتال بدر تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم إن كان محمد على الحق فانصره، وإن كنا على الحق فانصرنا، وقال أبو جهل لما صار اللقاء اللهم أنصر أهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين، اللهم من كان أفجر
واقطع لرحمه فأحنه (ألوه واكسره) اليوم. فأنزل الله «إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ» ، وهذا خطاب لهم على سبيل التهكم بهم، وقد مر أن ذكرنا أن الفتح بمعنى القضاء والحكم، أي أن تستحكموا الله على ما قلتم فقد جاءكم حكمه، فعليكم أن تتيقنوا أن محمدا أحق منكم وأوصل الرحم وأهدى الفئتين وخير الفريقين وأفضل الجمعين هو وأصحابه، ولذلك فقد أجبت دعاءه وخيبتكم ونصرته عليكم، فآمنوا به وأطيعوه «وَإِنْ تَنْتَهُوا» من الآن عن الكفر بالله وتكذيب رسوله ومقاتلته «فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» في دينكم ودنياكم وعاقبة أمركم «وَإِنْ تَعُودُوا» لقتال رسولكم وتصروا على تكذيبه بعد أن شاهدتم كيفية نصرته عليكم وتوفيقه وتأييده من عند ربه، ولم ترجعوا عن الكفر وتؤمنوا به «نَعُدْ» لأمره ثانيا بقتالكم وننصره عليكم أيضا، وهكذا حتى تؤمنوا أو