«وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً» البتة لأنكم تولدون على حالة أقل من البهائم إدراكا لا تعرفون معه الحجر من الثمر، والقرّ من الحر، والنفع من الضر «وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ» لتعقلوا بها بصورة تدريجية «لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» ٧٨ الله الذي منحكم تلك القوى وقدركم فيها على إزالة الجهل الذي ولدتم عليه وقد ركبها فيكم لتستعملوها لما خلقت له أداء لشكرها، وتشكروا المنعم بها عليكم، لا أن تضعوها بغير موضعها وتقابلوها بالكفر، قال تعالى «أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ» الفضاء الواسع ما بينها وبين الأرض، وقد يراد به الهواء وجوف السماء، قالوا إن الطير مهما ارتفع لا يتجاوز اثني عشر ميلا، إذ ينقطع الهواء فإذا تجاوزت هذا القدر لا تستطيع العوم ولا الوقوف، وقد تموت بسبب انقطاع الهواء «ما يُمْسِكُهُنَّ» شيء عند قبض أجنحتهن من الوقوع «إِلَّا اللَّهُ» لأنه في حالة نشر أجنحتهن، يقال إن الهواء يمسكها مع أنه قد لا يوجد هواء، لان الجو كالأرض مختلف أحواله فكما يوجد في الأرض أودية يوجد في الجو خبن لا هواء فيه «إِنَّ فِي ذلِكَ» الإمساك بدون واسطة «لَآياتٍ» بالغات تدل على كمال القدرة الإلهية «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» ٧٩ بها وإنما خصّ المؤمنين لأنهم أهل الاعتبار والانتفاع بآيات الله وإسنادها لذاته المقدسة «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ» المبنية بالحجر والمدر والخشب وغيره «سَكَناً» تقرون فيه «وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً» ومن أشعارها وأوبارها وصوفها خيما وأقبية وأخبية عند ما تريدون التنقل من المرعى والنزهة «تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ» رحيلكم إلى البوادي لرعي أنعامكم «وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ» أيضا في منازلكم إذ لا يهمكم حملها ولا يثقل عليكم نصبها ونقصها «وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها» جعل لكم أيضا «أَثاثاً» من فرش، ولباس، وغرائز لحفظ الألبسة والحبوب، وبسط وزرابي وغيرها مما تحتاجونه لبيوتكم وأنفسكم «وَمَتاعاً» وأشياء أخرى، لأن الأثاث يطلق على جميع حوائج البيت، والمتاع يطلق على ما ينتفع به ويتمتع فيه في البيت خاصة، ومن قال إن المتاع والأثاث شيء واحد فقد جهل هذا الفرق،