علمهم بالله وصفاته أما المؤمن العارف فلا يقنط بحال من الأحوال لشدة وثوقه بالله قالوا ثم كتب كتابا إلى ملك مصر وعبارته (من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله إلى ملك مصر، أما بعد فإنا أهل بيت وكل بنا البلاء، أما جدي ابراهيم فشدت يداه ورجلاه والقي في النار فجعلها الله بردا وسلاما وأما أبي إسحاق فشدت يداه ورجلاه ووضع السكين على قفاه ففداه الله، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب اولادي الي فذهب به اخوته إلى البرية ثم أتوني بقميصه ملطخا بالدم وقالوا قد أكله الذئب فصبرت وتوكلت، ثم كان لي ابن آخر وكان أخاه من أمه، فكنت أتسلى به وإنك حبسته وزعمت أنه سرق، وانا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فإن رددته إلي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك) ثم أعطاهم إياه وأمرهم بالرجوع إلى مصر، فأخذوه وذهبوا وعند ما وصلوا الى مصر واتصلوا بأخيهم روبيل واطلعوه على الكتاب فوقع في قلوبهم قبول الملك لما فيه من الترغيب والترهيب فحملوه جميعا، وتوجهوا نحو الملك، قال تعالى «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا» لا بدّ وان يكون القائل واحدا، وبما أنهم كلهم دخلوا عليه فكانوا بمثابة الجمع، لان ما يقوله أحدهم يقول به كلهم، لذلك جاء الضمير بلفظ الجمع، والا لا يعقل انهم كلهم قالوا ذلك بلسان واحد لما فيه من عدم مراعاة الأدب «يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ» الملك المنيع الغالب، قالوا وكان ملوك مصر يلقبون بالعزيز قديما قبل لقب فرعون، وبما أن يوسف كان قائما مقام الملك ومفوضا من قبله بكل أمور الدولة لقبوه بلقب الملك، وفي الحقيقة هو بمثابة وزير مالية مفوض ورئيس وزراء برتبة سلفه، وزاد عليه بلقب مفوض عن الملك بالأمور كلها «مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ» الشدّة والفاقة «وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ» رديئة كاسدة لا تنفق إلا بتجوز من البائع وأصل الإزجاء الدفع قليلا قليلا كتزجية الريح اللينة السحاب الكثيف، وقللوا بضاعتهم وصغروها أمام الملك ليستميلوه ويستعطفوه، «فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا» بردّ أخينا، لأن رده إلينا صدقة كما أن توفيتك الكيل لنا صدقة، وليس معناه تصدق علينا بالطعام أو أعطنا مالا كما قاله بعض المفسرين،