فهو جزاء جحودكم في الدنيا «هَلْ تُجْزَوْنَ» في الآخرة التي كنتم تنكرونها في الدنيا «إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ٥٢» من الأعمال القبيحة جزاء وفاقا «وَيَسْتَنْبِئُونَكَ» يستوخون منك ويطلبون يا سيد الرسل الاستخبار «أَحَقٌّ هُوَ» قولك إن هناك قيامة أخرى وعذابا على ما نفعل «قُلْ» لهم «إِي وَرَبِّي إِنَّهُ» الذي تستخبرون عنه «لَحَقٌّ» لا مرية فيه البتة «وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٥٣» الله عند إرادته تعذيبكم في ذلك اليوم فلا يفوت شقيا جزاؤه ولا مهرب لأحد، فالعذاب لاحق بكم لا محالة وهناك تتمنى كل نفس قدر عليها العذاب ما قاله تعالى قوله «وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ» أشركت بالله وكفرت به في الدنيا «ما فِي الْأَرْضِ» من شيء وطلب منها الفداء مما حلّ بها من عذاب الله في الآخرة «لَافْتَدَتْ بِهِ» نفسها لتنجو منه إلا أنه لا ينفع الفداء ولا يقبل البدل «وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ» أضمروا اليأس والحرمان لما علموا ذلك وكتموا تأثرهم وأسفهم على ما وقع منهم في الدنيا من الكفر والإنكار والتكذيب «لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ» عيانا «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» أولئك الظالمون «بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ٥٤» فيما قضي عليهم من العذاب لأنه بما كسبت أيديهم، وإن الله لا يشدد في عذاب الظالم ولا يخفف من عذاب المظلوم لقاء ظلمه، بل ينال كل جزاء على ما عمل.
ولا تكرار هنا لأن الآية الأولى بين الأنبياء وأممهم، وهذه بين بعضهم بعضا، وقد جاءت هذه الأفعال بلفظ الماضي مع أنها في القيامة وأحوالها، وهي من الأمور المستقبلة لأنها واجبة الوقوع ومحققة فيها، فلذلك جعل الله تعالى مستقبلها كالماضي. واعلم أن كلمة أسرّ التي مصدرها الإسرار من الأضداد، إذ تكون بمعنى الإخفاء ولإظهار، ولذلك اختلف المفسرون فيها، فمنهم من قال أظهروا الندامة وأعلنوها على ما فاتهم، لأن ذلك اليوم ليس بيوم تصبّر وتصنّع كي يظهروا خلاف ما يبطنون، وهو الأولى، لأن استعمال أسر غالبا في الكتمان وهو ما ينصرف إليه الذهن بادىء الرأي، وهو أنسب بالمقام، ومنهم من قال أخفوا أسفهم وندامتهم لئلا يلاموا عليها من قبل غيرهم فيجتمع عليهم عذابان العذاب واللوم أيضا، وعلى هذا يكون المراد بمن يخفي الندامة رؤساء الكفر خشية لومهم من أتباعهم.