وفيها وعيد وتهديد للكفار وأهل المعاصي، وبشارة لحضرة الرسول بأن الله تعالى سيريه العذاب الذي أوعدهم بإنزاله والذل والخزي في الدنيا والآخرة وقد أراه بعض ذلك يوم بدر، وفي فتح مكة وغيرها من أيام انتصاره عليهم، وسيريه أيضا ما خبىء لهم في الآخرة من العذاب الذي لا ينقضي «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ» فرقة وطائفة وقوم ورهط وعشيرة وفخذ وبيت «رَسُولٌ» يرسله الله تعالى لإصلاحها فيأمرهم وينهاهم ويحذرهم ويبشرهم، فيؤمن به من شاء الله إيمانه ويكفر به من شاء خذلانه، مثلك مع أمتك، وكما يكون حالك يا أكرم الرسل مع أمتك كان حالهم مع أممهم في الدنيا والآخرة، فإذا جاء رسولهم وبلغهم ما أمره به ربه فصدقه أناس وكفر به آخرون كما هي الحالة معك وأمتك، حتى إذا انتهى الأجل المضروب لهم «قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ» العدل فينجي الله رسوله والذين آمنوا به، ويهلك من كذبه وجحد ما جاءه به، وهذا عدل منه تعالى لأنه لا يهلك قوما إلا بعد أن يتقدم إليهم بالمعذرة وإقامة الحجة على لسان رسوله، وهذا القضاء قد يكون بالدنيا عذاب استئصال كقوم عاد ونوح، وقد يكون على البعض وقد يؤخر الله عذاب آخرين إلى الآخرة فيوقعه فيهم دفعة واحدة، وهؤلاء الذين ينالون العذاب في الدنيا سينالهم العذاب الأكبر يوم القيامة أيضا إذا شاء تعذيبهم، وفي ذلك اليوم يجمع الله الأمم كلها للحساب ويجاء برسول كل أمة ليشهد عليها بما كان منها، فيفصل بنجاة المؤمنين وإكرامهم عنه وفضله، وبتعذيب الكافرين وإهانتهم بعدله «وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ٤٧» شيئا من جزاء أعمالهم فينال المؤمن ثواب أعماله الطيبة وما صبر عليه من مضض العيش في دنياء ويجازى الكافر عقاب أعماله السيئة وما بطر ومرح في دنياه، فيربح المؤمن ويخسر الكافر، راجع الآية ١١ من سورة الحج في ج ٣، قال تعالى «وَيَقُولُونَ» لك يا حبيبي على طريق السخرية والاستهزاء «مَتى هذَا الْوَعْدُ» الذي توعدنا به من نزول العذاب إذا لم نؤمن بك وبربك وتهددنا به أنت وأصحابك أنزلوه بنا «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ٤٨» في ذلك، وهذه الآية لا توجد في ترتيب القرآن من أوله إلى هنا ومن هذه السورة إلى سورة الأنبياء وبعدها تكرر كثيرا عند كل مناسبة، أما في ترتيب النزول فقد مر مثلها