للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالاستطاعة التي قبل الفعل هي مناط التكليف، فإذا لم توجد فلا تكليف، إذ لا واجب مع العجز.

والقدرة والاستطاعة التي قبل الفعل، مثل: الصحة، وسلامة الآلات، وحصول الأسباب التي لا بد منها في الفعل، فهذه هي مناط التكليف، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]، السبيل: الزاد والراحلة، وكذلك القدرة البدنية لا بد منها، فلا يجب المضي للحج إلا على من توفرت له القدرة البدنية والمالية، فهذه الاستطاعة هي مناط التكليف، ويقر بها جميع الطوائف، ويستوي فيها جميع الناس: المطيع والعاصي كلهم مستطيع، فمن أُمر بالصلاة - مثلًا - وهو سليم العقل والحواس وقادر إن صلى أو ترك فهو مستطيع.

والنوع الثاني: الاستطاعة التي تكون مع الفعل، ويكون بها الفعل، فهذه ليست مناطًا للتكليف؛ بل يمنحها الله لمن يشاء، وهي التي تحصل بالتوفيق والهداية الخاصة، وهي المنفية عن الكفار في مثل قوله تعالى: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠)[هود]، ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (١٠١)[الكهف]، وليس المعنى أنهم صم لا يسمعون، فالأصم معذور إذا لم يسمعْ ما يجب سماعه، والأعمى معذور إذا لم يُبصرْ ما يجب إبصاره؛ لأنه غير مستطيع؛ لكن الاستطاعة المنفية عنهم هي الاستطاعة التي تكون مع الفعل، و هي ليست مناطًا للتكليف، فهم مستطيعون لكن صرفهم الهوى والشهوات عن الانقياد.

<<  <   >  >>