للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: «ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم».

نرجو للمحسنين أن يعفو الله عنهم ويدخلهم الجنة، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر للمسيئين، قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩]، فالله ندب نبيه أن يستغفر ربه لذنبه وللمؤمنين، وهذه سنة الأنبياء، فقد ذكر الله عن نوح أنه قال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نوح: ٢٨]، وعن إبراهيم أنه قال: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)[إبراهيم]، وقد أثنى الله على الذين يستغفرون لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)[الحشر]، فينبغي أن يكون هذا دأب المسلم فيستغفر ربه لنفسه ولإخوانه المسلمين.

وقوله: «ونخاف عليهم».

قال في المحسنين: «ولا نأمن عليهم» مع إحسانهم، وهنا قال: «ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنطهم»، فنخاف على المسيئين من عقاب الله، ولا نُؤَمِّنُهم كحال المرجئة الذين يقولون: «لا يضر مع الإيمان ذنب»، ولا نُقنِّطهم كحال الخوارج الذين يقولون: «لا يرجى لهم مغفرة ولا رحمة ولا يدخلون الجنة»، وهذا مسلك أهل السنة ، فهم وسط بين هذه الفرق: وسط في باب الأسماء والصفات، وسط في أفعال العباد، وسط في أسماء الإيمان والدين، وسط في أهل الكبائر، وسط في الصحابة، فكل هذه العبارات تتضمن تقرير التوسط في أمر أهل الذنوب، فلا نكفرهم، ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله.

<<  <   >  >>