واعلم أن حسب (١) قد جاء بالضم والفتح والكسر على معانٍ: فحسِب بكسر السين يحسَب ويحسِبُ بفتح السين وكسرها في المضارع حِسبانًا بكسر الحاء ومحسَبة ومحسِبة بفتح السين، وكسرها بمعنى ظن فهو حاسب، والشيء محسوب أي: مظنون، والأمر: احسَب واحسب بفتح السين وكسرها، وحسِب الرجل بكسر السين حسبًا فهو أحسب إذا صار ذا شقرة وبياض كالبرص، وحسَب بفتح السين بمعنى عدّ يحسُب بضم السين [حسبًا وحسابًا وحسبانًا وحسابةً وحسبةً فهو حاسب، والشيء محسوب، والأمر احسُب بضم السين لا غير] (٢).
وأما حسُب بضم السين فمعناه: صار حسيبًا يحسُب بضم السين حسابة فهو حسيب، والذي هو من هذا الباب وينصب المفعولين هو الذي يكون بمعنى ظن، وأما الذي بمعنى: عدّ فينصب مفعولًا واحدًا، والآخران لازمان فافهم (٣).
الشاهد السادس والثلاثون بعد الثلاثمائة (٤)، (٥)
حَسِبْتُ التُّقَي والجُودَ خَيرَ تجارَةٍ … رَبَاحًا إِذَا مَا المَرْءُ أَصْبَحَ ثَاقلًا
أقول: قائله هو لَبيد -بفتح اللام بن ربيعة العامري، وهو من قصيدة طويلة من الطويل وأولها هو قوله:
١ - كُبَيشَةُ حَلَّتْ بَعْدَ عَهْدكَ عَاقِلًا … وكَانَتْ لَهُ شُغلًا عَلَى النَّأْي شاغِلَا
٢ - تَرَبَّعَتِ الأشْرَافَ ثُمَّ تَصَيَّفَت … حِسِيَّ البطاحِ وانْتَجَعْنَ السَّلائلَا
٣ - تَخَيرُ مَا بَينَ الرِّجَامِ وَوَاسِطٍ … إلَى سِدْرَةِ الرسين تَرْعَى السَّوَائِلَا
إلى أن قال:
٤ - تلُومُ عَلَى الإهلاكِ في غَيرِ ضَلَّةٍ … وهَلْ لِي مَا أَمْسَكتُ إنْ كُنتُ بَاخِلَا
٥ - حَسِبتُ التُّقَى ................. … ....................... إلى آخره
(١) راجع هذه المعاني في اللسان مادة: "حسب".
(٢) ما بين المعقوفين سقط في (ب).
(٣) أقول: تستعمل حسب في غير المتيقن؛ كقول الله تعالى: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ [المجادلة: ١٨]، وهذا هو الكثير في استعمالها أنها للرجحان وقد تأتي لليقين كما في الشاهد رقم (٣٣٦) الآتي بعد هذا الشاهد.
(٤) ابن الناظم (٧٥)، وأوضح المسالك (٢/ ٤٤)، وشرح ابن عقيل (٢/ ٣٤).
(٥) البيت من بحر الطويل، من قصيدة قاربت المائة بيت، للبيد بن ربيعة، قالها يصف الرحلة والناقة والصحراء ويفتخر بقومه بني عامر لقوله:
أولئك قومي إن تلاقت سراتهم … تجدهم يؤمون العلا والفواضلا
وانظر بيت الشاهد في أساس البلاغة: "ثقل"، والدر (٢/ ٢٤٧)، وشرح التصريح (١/ ٢٤٩)، وتخليص الشواهد (٤٣٥)، وشرح قطر الندى (٧٤)، وهمع الهوامع للسيوطي (١/ ١٤٩).