المالحة، والجامع بينهما عدم النفع، بل حصول الضرر لمن يتناوله، فكما أن الماء المالح لا يحصل به الغرض، من الرِّيّ، وزوال العطش، كذلك حديث مهديّ بن هلال لا يحصل به النفع، بل يكون ضررًا لسامعه؛ لأنه ربما عمل به، وهو غير صالح للعمل به، فيحصل له الضرر في دينه، كما يحصل الضرر في بدن من يشرب المالح من الماء. والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: أشرت آنفًا إلى أن "المالحة" من النوادر، وذلك لمخالفته قواعد اسم الفاعل؛ لأنه إما أن يكون من مَلُح ككرُم، كما هو لغة أهل العالية، فاسم فاعله مَلِحٌ، بفتح، فكسر، وإما أن يكون من أملح، كما هو لغة أهل الحجاز، فاسم فاعله مُمْلِح، كمُفْلِحٍ.
قال الفيّوميّ رحمه اللهُ تعالى في كتابه النافع "المصباح المنير": مَلُحَ الماء ملوحةً، هذه لغة أهل العالية، والفاعل منها مَلِحٌ -بفتح الميم، وكسر اللام- مثلُ خَشُنَ خُشُونةً، فهو خَشِنٌ، هذا هو الأصل في اسم الفاعل، وبه قرأ طلحة بن مصرّف:{وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ}[الفرقان: ٥٣]، لكن لما كثر استعماله، خُفّف، واقتُصِر في الاستعمال عليه، فقيل:"مِلْحٌ" -بكسر الميم، وسكون اللام-. وأهل الحجاز يقولون: أملح الماء إملاحًا، والفاعل مالحٌ، التي جاءت على غير قياس، نحوُ أبقل الموضع، فهو باقلٌ، وأغضى الليل، فهو غاضٍ. وأنشد ابن فارس [من الرجز]:
ونقل الأزهريّ اختلاف الناس في جواز "مالح"، ثم قال: يقال: ماءٌ مالحٌ، ومِلْحٌ أيضًا. وفي نسخة من "التهذيب": قلت: وقال في "المجرّد": ماءٌ مالحٌ، ومِلْحٌ بمعنًى. وقال ابن السّيدِ في "مثلَث اللغة": ماءٌ مِلْحٌ، ولا يقال: مالحٌ في قول أكثر أهل اللغة. وعبارة المتقدّمين فيه: وماءٌ مالح قليلٌ، ويعنون بقلّته كونه لم يجىء على فعله، فلم يَهتد بعض المتأخّرين إلى مَغْزلهم، وحملوا القلّة على الشهرة والثبوت، وليس كذلك، بل هي محمولة على جريانه على فعله، كيف، وقد نُقل أنها لغة حجازيّةٌ، وصرَّح أهل اللغة بأن أهل الحجاز كانوا يختارون من اللغات أفصحها، ومن الألفاظ أعذبها، فيستعملونه، ولهذا سبحانه تعالى نزل القرآن بلغتهم، وكان منهم أفصح العرب -يعني النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وما ثبت أنه من لغتهم لا يجوز القول بعدم فصاحته. وقد قالوا في