للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة، عالمين بها، وعرفوا إمامهم، وقَدّموه ليؤمهم، وقصد إمامتهم، والقراءة لهم، وقصدوا الائتمام به، وعرفوا أركان الصلاة، فأتوا بها، ودلت الآية على أنه ما لم يعلم ما يقول، فهو سكران. وفي حديث حمزة عَمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حين غَنّته قَيْنَة، وهو سكران [من الوافر]:

أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ ... وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ

وكان عليٌّ أناخ شارفين له بفناء البيت الذي فيه حمزة، فقام إليهما، فبقر بطونهما، واجتبّ أسنمتهما، فذهب علي، فاستعدى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حمزة محمرة عيناه، فلامه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنظر إليه، وإلى زيد بن حارثة، فقال: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، فانصرف عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد فَهِمَ ما قالت القينة في غنائها، وعرف الشارفين، وهو في غاية سكره. ولأن المجنون الذاهب بالعقل بالكلية يَعرف السماء من الأرض، والرجل من المرأة، مع ذهاب عقله، ورفع القلم عنه. انتهى كلام ابن قُدامة رحمهُ اللهُ تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر من الأدلّة أن الأرجح في حدّ السكر هو ما ذهب إليه الأولون؛ لوضوح أدلّته.

وحاصله أن يصل إلى أن يَخْلِط في كلامه، ما لم يكن قبل الشرب، ويُغَيِّره عن حال صحوه، ويَغْلِب على عقله، ولا يميز بين ثوبه وثوب غيره عند اختلاطهما، ولا بين فعله وفعل غيره. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): في أقوال أهل العلم في جلد السكران:

قال العلّامة الموفّق رحمهُ اللهُ تعالى: ما خلاصته: يجب الحد على من شرب قليلا من المسكر أو كثيرا، ولا نعلم بينهم خلافا في ذلك، في عصير العنب، غير المطبوخ، واختلفوا في سائرها، فذهب إمامنا -يعني أحمد- إلى التسوية بين عصير العنب وكل مسكر، وهو قول الحسن، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، والأوزاعي، ومالك، والشافعي.

وقالت طائفة: لا يُحَدّ إلا أن يُسْكِر، منهم: أبو وائل، والنخعي، وكثير من أهل الكوفة، وأصحاب الرأي. وقال أبو ثور: من شربه مُعتقدا تحريمه حُدّ، ومن شربه متأولا فلا حد عليه؛ لأنه مختلف فيه، فأشبه النكاح بلا ولي.

وحجة الأولين ما رواه أبو داود، وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: "من شرب


(١) "المغني" ١٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>