للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشهور منهما القبول، ذكره الماوردي في "الحاوي"، ونقله عنه ابن الرفعة في "الكفاية"، والإسنوي في "الألغاز". انتهى "التدريب" (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

ولما ذكر الأدلة على عدم قبول خبر الفاسق من الكتاب أتبعه بذكر الأدلة من السنة، فقال:

(وَدَلَّتِ السُّنَّةُ) النبويّة (عَلَى نَفْيِ رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ) أي على نفي جواز روايته (مِنَ الْأَخْبَارِ) متعلّق بحال مقدّر من "المنكر" (كَنَحْوِ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ) أي مثل دلالة القرآن، وهو ما دلّت عليه الآية السابقة (عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْفَاسِقِ) حيث قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} الآية، فإنها تدل علىَ عدم الاعتماد على خبر الفاسق (وهو الأثر) مبتدأ وخبر، وإنما ذكّره، وإن كان المرجع مؤنّثًا، وهي السنّة؛ نظرًا للخبر، و"الأثر" - بفتحتين- اسم من أثرتُ الحديث أَثْرًا، من باب نصر: إذا نقلته، وحديث مأثور: أي منقولٌ، ومنه الْمَأْثُرة، وهي المكرمة؛ لأنها تُنقل، ويُتحدّث بها. أفاده الفيّوميّ. واصطلاحًا: عبارة عن الأحاديث، مرفوعة كانت، أو موقوفةً على المعتمد. وقصره بعض الفقهاء على الموقوف فقط.

وقال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه" ١/ ٦٣: هذا جار على المذهب المختار الذي قاله المحدثون وغيرهم، واصطلح عليه السلف، وجماهير الخلف، وهو أن الأثر يُطلق على المرويّ مطلقا، سواء كان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو عن صحابيّ، وقال الفقهاء الخراسانيون: الأثر هو ما يضاف إلى الصحابيّ موقوفا عليه. انتهى.

(المشهور) صفة "الأثر"، والمراد به هنا ما يعم المتواتر؛ إذ الحديث المذكور من المتواتر، كما سيأتي بيانه، والمشهور في اللغة: اسم مفعول من شَهَرتُ الحديثَ من باب نفع شَهْرًا -بالفتح-، وشُهْرةً -بالضمّ-: إذا أفشيته، فاشتهر، واصطلاحًا ما رواه ثلاثة، فأكثر، ولم يبلغ حدّ التواتر، سمي مشهورًا؛ لوضوح أمره.

[تنبيه]: الحديث إذا تفرّد بروايته راو واحد يسمّى غريبًا، وإن رواه اثنان سمي عزيزًا, وإن رواه ثلاثة, فأكثر، سمي مشهورًا، وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء والأصوليين، وبعض المحدّثين، سمي بذلك لانتشاره وشياعه في الناس، من فاض الماء يَفيض فيضًا وفيوضة: إذا كثُر حتى سال على ضَفّة الوادي، ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض يكون في ابتدائه ووسطه وانتهائه سواءً، والمشهور أعمّ من ذلك، بحيث يشمل ما كان أوله منقولا عن الواحد، كحديث "إنما الأعمال بالنيات"،


(١) راجع "تدريب الراوي" ١/ ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>