وقوله:(مِنْ سُوءِ صَنِيعِ كَثِيرٍ) بيان للموصول (مِمَّنْ نَصَبَ) متعلّق بصفة لـ "كثير": أي أقام (نَفْسَهُ مُحَدِّثًا) فيه إشارة إلى أن من يصنع ذلك ليس من محققي المحدّثين، وإنما أدخل نفسه فيهم، حيث لم يَسلُك طريقهم (فِيمَا يَلْزَمُهُمْ) متعلّق "بسوء صنيع": أي في الصنع الذي كان يلزمهم، وهو ما بيّنه بقوله:(مِنْ طَرْحِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ) أي رميها، وعدم التحديث بها، وقوله:(وَالرِّوَايَاتِ الْمُنْكَرَةِ) من عطف الخاصّ على العامّ، فإن الضعيف أعم من المنكر، وإنما خصّه بالذكر؛ لمزيد الذم في روايته؛ لشدة ضعفه، ، وسيأتي بيان الخلاف في رواية الأحاديث الضعيفة، قريبًا، إن شاء الله تعالى (وَتَرْكِهِمُ الإِقْتِصَارَ عَلَى) رواية (الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ) أي التي اشتهرت أسانيدها بين المحدثين، وتداولوها فيما بينهم، فهو بمعنى قوله السابق أول المقدّمة:"بالأسانيد التي بها نُقلت، وتداولها أهل العلم فيما بينهم"، وليس المراد المشهور المصطلح عليه، وهو ما رواه ثلاثة، فأكثر، ولم يبلغ حدّ التواتر (مِمَّا) متعلّق بحال محذوف: أي حال كون تلك الأحاديث كائنة من جملة الحديث الذي (نَقَلَهُ الثِّقَاتُ) جمع ثقة، ويطلق بلفظ الواحد على غير الواحد أيضًا، قال الفيّوميّ رحمه الله تعالى: وَثُقَ الشيءُ بالضمّ وَثَاقَةً: قَوِيَ، وثَبَتَ فهو وَثيق: ثابت محكم، وأوثقته: جعلته وَثِيقًا، ووثِقتُ به أَثِقُ بكسرهما ثِقَةً، ووُثُوقًا: ائتمنته، وهو، وهي، وهما، وهم، وهنّ ثقة؛ لأنه مصدرٌ، ويجمع في الذكور، والإناث، فيقال: ثقات. انتهى.
فتبيّن بهذا أن معنى الثقة المؤتمنُ، ولا يكون مؤتمنًا إلا إذا جمع بين الصدق، والضبط، فيكون قوله:(الْمَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ) صفة مؤكّدةً لـ "الثقات"، و"الأمانة" هنا مصدر "أمِنَ" بالكسر، فهو أمين، وتستعمل مجازًا في الأعيان، فيقال: الوديعة أمانة، ونحو ذلك.
(بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ) أي بقلوبهم (وَإِقْرَارِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ كَثِيرًا) بفتح "أن" لوقوعها موقع المصدر، كما قال في "الخلاصة":