للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِعَاذَةُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ هُوَ دَلِيلُ تَعْظِيمٍ للهِ تَعَالَى، وَهِيَ مِنْ خِصَالِ المُتَّقِينَ، كَمَا قَالَتْ مَرْيَمُ عِنْدَمَا جَاءَهَا جِبْرِيلُ: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مَرْيَم: ١٨].

وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوِ اسْتَعَاذَ مِنْ أَمْرٍ وَاجِبٍ عَلَيهِ؛ أَو أَلْزَمْتَهُ بِالإِقْلَاعِ عَنْ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ؛ فَاسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنْكَ! فَإِنَّكَ لَا تُعِيذُهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، وَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُعِيذُ عَاصِيًا! بَلِ العَاصِي يَسْتَحِقُّ العُقُوبَةَ لَا الانْتِصَارَ لَهُ وَإِعَانَتَهُ! فَإِعْطَاءُ مَنْ سَأَلَ بِاللهِ هُوَ مِنْ نَفْسِ بَابِ عَدَمِ الإِعَانَةِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ؛ لِأَنَّ الجَمِيعَ مِنْ بَابِ تَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى.

- قَولُهُ: ((وَمَنْ دَعَاكُم فَأَجِيبُوهُ)) جُمْهُورُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي وَلِيمَةِ العُرْسِ فَقَط، لِقَولِهِ فِيهَا: ((بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى إِلَيهِ الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ المَسَاكِينُ! فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ؛ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ)) (١).

وَهُنَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ وُجُودِ المُنْكَرِ فِيهَا إِلَّا إِنْ أَمْكَنَ التَّغييِرُ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِنْ كَانَ الدَّاعِي غَيرَ مُسْلِمٍ؛ لِحَدِيث: ((حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ)) (٢)، وَأَيضًا أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنَ الحُضُورِ إِسْقَاطُ وَاجِبٍ، وَأَنْ لَا تَتَضَمَّنَ ضَرَرًا عَلَى المُجِيبِ (٣).

- إِنَّ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ حَقٌّ لِلدَّاعِي وَلَيسَتْ حَقًّا للهِ تَعَالَى؛ لِذَا إِذَا أَقَالَكَ الدَّاعِي فَلَا إِثْمَ عَلَيكَ، كَمَا سَبَقَ فِي الحَدِيثِ: ((حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ)).


(١) البُخَارِيُّ (٥١٧٧)، وَمُسْلِمٌ (١٤٣٢) عَنِ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.
(٢) البُخَارِيُّ (١٢٤٠)، وَمُسْلِمٌ (٢١٦٢) عَنِ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا.
(٣) اُنْظُرْ تَمَامَ شُرُوطِ الإِجَابَةِ فِي الفَتْحِ (٩/ ٢٤٢) لِابْنِ حَجَرٍ .

<<  <  ج: ص:  >  >>