للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَولُهُ: ((إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ)) فِيهِ أَنَّهُم مِنْ شِرَارِ النَّاسِ! وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ جَاءَ وَصْفُ الطَّائِفَةِ المَنْصُورَةِ بِأَنَّهُ: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورَةٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ))!

فَمَا التَّوفِيقُ بَينَ الحَدِيثَينِ؟

الجَوَابُ:

إِنَّ المُرَادَ بِقَولِهِ: ((حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)) أَي: إِلَى قُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَلَيسَ إِلَى قِيَامِهَا بِالفِعْلِ، لِأنَّهَا لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الخَلْقِ، فَاللهُ تَعَالَى يُرْسِلُ رِيحًا تَقْبِضُ نَفْسَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا شِرَارُ الخَلْقِ (١)، وَعَلَيهِم تَقُومُ السَّاعَةُ، وَكَمَا فِي لَفْظٍ لِلبُخَارِيِّ: ((حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ)) (٢).

وَيُمْكِنُ القَولُ أَيضًا بِأَنَّ المَقْصُودَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ عَلَى الطَّائِفَةِ هُوَ مَوتُهُم، وَكَمَا رُوِيَ أَنَّ: ((مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ)) وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالأَوَّلُ أَولَى (٣).


(١) كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (٢٩٠٧) عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: ((لَا يَذْهَبُ اللَّيلُ وَالنَّهْارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالعُزَّى)). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَظنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التَّوبَة: ٣٣] أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا. قَالَ: ((إنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ؛ فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيرَ فيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِم)).
(٢) البُخَارِيُّ (٧٣١١) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا.
(٣) ضَعِيفٌ. حِلْيَةُ الأَولِيَاءِ (٦/ ٢٦٧) عَنْ أَنَسٍ. الضَّعِيفَةُ (١١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>