للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ التَّصْوِيرُ وَاقْتِنَاءُ الصُّوَرِ مُحَرَّمًا، فَمَا الجَوَابُ عَنْ شُبْهَةِ جَوَازِ صُنْعِ التَّمَاثِيلِ فِي قَولِهِ تَعَالَى عَنْ سُلَيمَانَ : ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سَبَأ: ١٣]؟ (١)

الجَوَابُ هُوَ مِنْ وَجْهَينِ:

١ - أَنَّ التِّمْثَالَ لَا يَعْنِي بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى صُورَةِ ذِي رَوحٍ، فَقَدْ يَكُونُ عَلَى صُورَةِ شَيءٍ مُبَاحٍ كَالشَّجَرِ وَمَا لَا رَوحَ فِيهِ.

٢ - أَنَّ التَّمَاثِيلَ لَو كَانَتْ لِذَوَاتِ الأَرْوَاحِ؛ فَهِيَ كَانَتْ جَائِزَةً فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا، وَقِد اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي العَمَلِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا إِذَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْعَنَا؛ فَكَيفَ إِذَا خَالَفَ شَرْعَنَا! فَشَرْعُنَا أَتَمُّ مِنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ جَاءَ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ -وَالَّذِي هُوَ أَصْلًا سَبَبُ النَّهِي عَنِ التَصْوِيرِ- (٢). وَالحَمْدُ للهِ.


(١) ﴿مَحَارِيبَ﴾: أَي: المَسَاجِدَ وَالأَبْنِيَةَ المُرْتَفِعَةِ، ﴿وَجِفَانٍ﴾: قِصَاعٍ، ﴿كَالْجَوَابِ﴾: كَالحِيَاضِ الَّتِي يُجْبَى فِيهَا المَاءُ، ﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾: ثَابِتَاتٍ لَهَا قَوَائِمُ؛ لَا يُحَرَّكْنَ عَنْ أَمَاكِنِهَا لِعَظْمِهِنَّ. يُنْظَرُ: (اللُّبَابُ) لِابْنِ عَادِلٍ (١٦/ ٢٧).
(٢) قَالَ البَغَوِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (٦/ ٣٩١): "قَولُهُ ﷿: ﴿وَتَمَاثِيلَ﴾ أَي: كَانُوا يَعْمَلُونَ لَهُ تَمَاثِيلَ، أَي: صُوَرًا مِنْ نُحَاسٍ وَصُفْرٍ وَشَبَّةٍ وَزُجَاجٍ وَرُخَامٍ. وَقِيلَ: كَانُوا يُصَوِّرُونَ السِّبَاعَ وَالطُّيُورَ. وَقِيلَ: كَانُوا يَتَّخِذُونَ صُوَرَ المَلَائِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي المَسَاجِدِ لِيَرَاهَا النَّاسُ فَيَزْدَادُوا عِبَادَةً، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي شَرِيعَتِهِمْ؛ كَمَا أَنَّ عِيسَى كَانَ يَتَّخِذُ صُوَرًا مِنَ الطِّينِ فَيَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيرًا بِإِذْنِ اللهِ".
قُلْتُ: أَمَّا عَن تَصْوِيرِ عِيسَى ؛ فَلَا دَاعِيَ لِإِدْرَاجِهِ هُنَا أَصْلًا! لِأَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ قَدْ أَذِنَ اللهُ بِهِ، لَاسِيَّمَا وَأَنَّهُ فِي مَقَامِ مَصْلَحَةٍ عُظْمَى وَهِيَ إِقَامَةُ الحُجَّةِ الرِّسَالِيَّةِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. يُنْظَرُ: (الجَوَابُ الصَّحِيحُ) لِابْنِ تَيمِيَّةَ (٤/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>