للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- المُرَادُ بِالإِيمَانِ هُنَا -فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ- الإِيمَانُ الكَامِلُ؛ وَإِلَّا فَإِنَّ المَرْءَ يَكُونُ مُؤْمِنًا وَإِنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، فَهُوَ مَعَهُ مُطْلَقُ الإِيمَانِ وَلَيسَ كَمَالُهُ.

- التَّوَكُّلُ الصَّحِيحُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَمْرَينِ:

الأوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ اعْتِمَادًا صَادِقًا حَقِيقِيًّا.

الثَّانِي: فِعْلُ الأَسْبَابِ المَأْذُونِ فِيهَا.

فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ تَوَكُّلَهُ عَجْزًا فَيَتْرُكَ الأَسْبَابَ! وَأَيضًا أَنْ لَا يَجْعَلَ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا -أَي صَارَ مُدَّعِيًا لِلتَّوَكُّلِ عِنْدَمَا فَقَدَ الأَسْبَابَ-!

ومَنْ جَعَلَ أَكْثَرَ اعْتِمَادِهِ عَلَى الأَسْبَابِ؛ نَقَصَ بِذَلِكَ تَوَكُّلُهُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَيَكُونُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي كِفَايَةِ اللهِ تَعَالَى لَهُ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ وَحْدَهُ هُوَ العُمْدَةَ فِيمَا يَرْجُوهُ مِنْ حُصُولِ المَطْلُوبِ.

وَأَيضًا مَنْ جَعَلَ اعْتِمَادَهُ عَلَى اللهِ مُلْغِيًا لِلأَسْبَابِ؛ فَقَدْ طَعَنَ فِي حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ سَبَبًا، وَالنَّبِيُّ أَكْمَلُ المُتَوكِّلَينَ؛ وَمَع ذَلِكَ كَانَ يَأْخُذُ بِالأَسْبَابِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الزَّادَ فِي السَّفَرِ، وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ ظَاهَرَ بَينَ دِرْعَينِ، وَلَمَّا خَرَجَ مُهَاجِرًا أَخَذَ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ.

- فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ بَيَانُ فَضِيلَةِ التَّوَكُّلِ، حَيثُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَكْفِي عَبْدَهُ إِذَا تَوَكَّلَ عَلَيهِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: ((لَو أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ تَعَالَى حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)) (١).


(١) صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (٣٧٠)، وَالتِّرْمِذِيُّ (٢٣٤٤) عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>