للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- فَائِدَة ١: التَّوَكُّلُ هُوَ الاعْتِمَادُ، وَلَكِنَّهُ أَخَصُّ؛ فَهُوَ عِبَادَةٌ (١).

- فَائِدَة ٢: فِي شَرْحِ حَدِيثِ: ((مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى؛ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ)) (٢).

قَالَ المُنَاوِيُّ : " ((مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى؛ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ)) لِفِعْلِهِ مَا يُسَنُّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ مِنَ الاكْتِوَاءِ لِخَطَرِهِ، والاسْتِرْقَاءُ بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللهِ؛ لِاحْتِمَالِ كَونِهِ شِرْكًا.

أَو هَذَا فِيمَنْ فَعَلَ مُعْتَمِدًا عَلَيهَا لَا عَلَى اللهِ؛ فَصَارَ بِذَلِكَ بَرِيئًا مِنَ التَّوَكُّلِ، فَإِنْ فُقِدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَرِيئًا مِنْهُ، وَقَد سَبَقَ أَنَّ الكَيَّ لَا يُتْرَكُ مُطْلَقًا وَلَا يُسْتَعْمَلُ مُطْلَقًا، بَلْ عِنْدَ تَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِلشِّفَاءِ وَعَدَمِ قِيَامِ غَيرِهِ مَقَامَهُ -مَعَ مُصَاحَبَةِ اعْتِقَادِ أَنَّ الشِّفَاءَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ- (٣).


(١) أَفَادَهُ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي أَشْرِطَةَ فَتَاوَى سِلْسِلَةِ الهُدَى وَالنُّورِ (ش ٣٢٦).
(٢) صَحِيحٌ. التِّرْمِذِيُّ (٢٠٥٥) عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا. الصَّحِيحَةُ (٢٤٤).
(٣) وَبِنَحوِهِ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ كَمَا نَقَلَهُ البَيهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ (٢/ ٣٩٦) عَنْهُ: "قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ : وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَكِبَ مَا يُسْتَحَبُّ التَّنْزِيهُ عَنْهُ مِنَ الِاكْتِوَاءِ [وَالِاسْتِرْقَاءِ: كَذَا فِي المَطْبُوعِ، وَلَعَلَّهَا مُكَرَّرَةٌ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ] لِمَا فِيهِ مِنَ الخَطَرِ، وَمِنَ الِاسْتِرْقَاءِ بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ كِتَابِ اللهِ ﷿ أَو ذِكْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ شِرْكًا، أَوِ اسْتَعْمَلَهَا مُعْتَمِدًا عَلَيهَا لَا عَلَى اللهِ تَعَالَى فِيمَا وَضَعَ فِيهِمَا مِنَ الشِّفَاءِ، فَصَارَ بِهَذَا أَو بِارْتِكَابِهِ المَكْرُوهَ بَرِيئًا مِنَ التَّوَكُّلِ.
فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَينِ وَغَيرِهِمَا مِنَ الأَسْبَابِ المُبَاحَةِ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا بَرِيئًا مِنَ التَّوَكُّلِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".
قُلْتُ: وَقَد سَبَقَ فِي بَابِ (مَنْ حَقَّقَ التَّوحِيدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ) بَيَانُ أَنَّ مَعْنَى ((يَسْتَرْقُونَ)) لَيسَ يَخْتَصُّ بِالرُّقْيَةِ الشِّرْكِيَّةِ، وَإِنَّمَا بِالجَائِزَةِ، وَالنَّفْيُ هُوَ لِمُنَافَاةِ كَمَالِ التَّوحِيدِ المُسْتَحَبِّ، إِلَّا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ قَولِهِ: ((فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ)) عَلَى نَفْي أَصْلِ الإِيمَانِ بِكَونِ الاسْتِرْقَاءِ مُخْتَصًّا بِالرُّقْيَةِ الشِّرْكِيَّةِ -كَمَا ذَهَبُوا إِلَيهِ-، وَلَكِنَّ قَولَ المُنَاوِيِّ السَّابِقَ: "لِفِعْلِهِ مَا يُسَنُّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ" يَقْصِدُ بِهِ مَا لَيسَ بِمَعْلُومٍ مِنَ الشِّرْكِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ، فَهَذَا لَا رَيبَ أَنَّهُ يُسَنُّ التَّنَزُّهُ عَنْهُ (لِاحْتِمَالِ كَونِهِ شِرْكًا). وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>