للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ بِمُمْتَنِعٍ، وَلَا نَفْيُهُ مُرَادٌ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ" (١).

٢ - كَونُ النَّبِيِّ أُطْلِعَ عَلَى شَيءٍ مِنَ الغَيبِ لَا يَعْنِي أَنَّهُ يَعْلَمُهُ بِنَفْسِهِ عِلْمًا ذَاتِيًا -كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُهُم-! وَقَدْ سَبَقَ فِي رَدِّ الشُّبُهَاتِ السَّابِقَةِ بَيَانُ أَمْثِلَةٍ مِنْ ذَلِكَ كَحَدِيثِ: ((إِنَّكُم تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ) وَحَدِيثِ: ((مَتَى السَّاعَةُ)) (٢)، وَكَحَدِيثِ: ((إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ))، وَ …

٣ - هَذِهِ الأَشْيَاءُ الَّتِي أُطْلِعَ عَلَيهَا النَّبِيُّ هِيَ مِنْ بَابِ إِظْهَارِ الآيَاتِ عَلَى صِدْقِهِ وَعَلَى تَأْيِيدِ رَبِّهِ لَهُ، وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا اسْتِقْلَالًا (٣)! بَلْ هِيَ مَقْرُونَةٌ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَلَهُ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ فِي اطْلَاعِهِ عَلَيهَا مَتَى شَاءَ وَأَينَمَا شَاءَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الرَّعْد: ٣٨].

وَقَالَ تَعَالَى أَيضًا ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ [إِبْرَاهِيم: ١١].

٤ - أَمَّا بِخُصُوصِ حَدِيثِ الاخْتِصَامِ؛ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ كَشَفَ لَهُ عَنِ الأَعْيَانِ المَوجُودَةِ إِذْ ذَاكَ (٤)، فَلَيسَ فِيهِ مَعْنَى كَشْفِ وَقْتِ السَّاعَةِ! وَلَا عِلْمَ مَا


(١) فَتْحُ البَارِي لِابْنِ رَجَبٍ (١/ ٢١٦).
(٢) وَقَدْ أَورَدَ بَعْضُ أَهْلِ الضَّلَالِ هَاهُنَا شَرْحًا عَجِيبًا لِذَلِكَ فَقَالُوا: ((مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)) أَنَّ المَعْنَى: أَنَا وَأَنْتَ فِي العِلْمِ بِهَا سَوَاءٌ؛ فَكَمَا تَعْلَمُهَا أَنْتَ؛ أَعْلَمُهَا أَنَا!!
قُلْتُ: وَيَرُدُّهُ آخِرُ الحَدِيثِ؛ وَفِيهِ قَولُهُ : ((فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ : ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ﴾ [لُقْمَان: ٣٤])).
(٣) أَي: لَيسَ لَهُ فِيهَا اخْتِيَارٌ وَلَا قَصْدٌ؛ وَإِلَّا فَكُلُّ شَيءٍ مَقْرُونٌ بِحَولِ اللهِ تَعَالَى وَمَشِيئَتِهِ؛ فَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
(٤) وَكَذَلِكَ حَدِيثُ حُذَيفَةَ الآتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>