للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُم رُسُلُ اللهِ تَعَالَى أَيضًا.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ : "وَقَولُهُ: ﴿عَالِمُ الغَيبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ هَذِهِ كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البَقَرَةِ: ٢٥٥] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: إِنَّهُ يَعْلَمُ الغَيبَ وَالشَّهَادَةَ، وَإِنَّهُ لَا يَطَّلِعُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى شَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا مِمَّا أَطْلَعَهُ تَعَالَى عَلَيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾ وَهَذَا يَعُمُّ الرَّسُولَ المَلَكِيَّ وَالبَشَرِيَّ" (١).

وَأَمَّا عِلْمُ المَلَكِ وَكِتَابَتُهُ فِي الرَّحِمِ عَنِ النُّطْفَةِ فِي رِزْقِهَا وَأَجَلِهَا وَعَمَلِهَا وَالشِّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ؛ فَهُوَ أَيضًا مِنْ تَعْلِيمِ اللهِ تَعَالَى لَهُ.

وَأَمَّا عِلْمُهُ بِكَونِهِ ذَكَرًا أَو أُنْثَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَلِمَ مَا فِي الأَرْحَامِ؛ وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَصَّ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِ خَمْسَةٍ مِنْ عِلْمِ الغَيبِ وَمِنْهَا ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ﴾ [لُقْمَان: ٣٤] فَهُوَ كَمَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ أَنَّهُ بَعْدَ الاثْنَتَينِ وَالأَرْبَعِينَ -وُفْقًا لِحَدِيثٍ فِي كِتَابَةِ ذَلِكَ عَنْ حُذَيفَةَ بْنِ أَسِيدٍ مَرْفُوعًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ- فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عِلْمُ نَوعِ الجَنِينِ مِنْ كَونِهِ ذَكَرًا أَو أُنْثَى عَنِ اخْتِصَاصِ اللهِ تَعَالَى بِهِ، وَعَلَيهِ فَلَا يَكُونُ غَيبًا مُطْلَقًا!

وَمِثْلُهُ مَعْرِفَةُ الأَطِبَّاءِ -غَالِبًا- بِمَا فِي الرَّحِمِ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ تَكْوِينِهِ؛ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللهَ مَكَّنَهُم مِنْ ذَلِكَ، وَلَيسَ مَحْضَ عِلْمٍ بِالغَيبِ مِنْهُم!

وَقَدْ نَقَلَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ عَنِ القُرْطُبِيِّ "أَنَّ هَذِهِ الخَمْسَ لَا سَبِيلَ لِمَخْلُوقٍ عَلَى عِلْمٍ بِهَا قَاطِعٍ، وَأَمَّا الظَّنُّ بِشَيءٍ مِنْهَا بِأَمَارَةٍ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ؛ فَلَيسَ


(١) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (٨/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>