فلا بد مع جعلهم أئمة من التمكين في الأرض، ولا بد مع ذلك من إرث تام للثروات والموارد لتكون بيد الأمة، وهو ما ذكره الله في آية أخرى من مفردات لبعض ذلك (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)(الشعراء: ٥٧ - ٥٩).
فهذه الثروات ملك للأمة يديرها الذين مكنهم الله، وهذه الأمور هي مفردات الإنقاذ في الحكم الرشيد، وإنما أفرد الله الإرث، والتمكين، والإمامة كلا على حدة؛ لأنه قد تحصل الإمامة والولاية من غير تمكين، ولا بسط للنفوذ على الإرث المالي والثروة والموارد، وقد تحصل الولاية والتمكين، ولا تتوفر الثروة والإمكانات، إما أنها غير موجودة أصلا، أو لعدم التمكن من إدارتها، نظرا لظروف دولته، ونحو ذلك.
وزادت الآية السابقة معنى آخر، وهو الأمن والاستقرار في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والغذائية وغيرها (وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)(النور: ٥٥).
فهذه الأربعة الأمور هي أركان تمام الاستخلاف الرباني في الأرض الذي جعله الله مِنَّةً، والتمكين بالنسبة للدولة المسلمة تمكين منهج العدالة، والرحمة، والحرية، والمساواة، والسلم، والقوة المتمثل في دين الإسلام (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ)(النور: ٥٥).
والحاصل أن ارتهان الدولة لغيرها مناقض لأمر التمكين في الأرض، ومناقض لمقصد الأمن والاستقرار العام دينا ودنيا، فحرم.
وفرض على الشعب حينئذ أن ينظر في أسباب هذه التبعية والارتهان ويزيلها.
فإن كان لضعف الحاكم قَوَّاه؛ فإن كان ضعفه عجزا ذاتياً عزَلَه بلا خلاف بين الفقهاء في اشتراط القدرة وعدم العجز.
فإن كان لفساد الحكام؛ ففرض إزالة هذا الفساد، ومقاضاة الظالم وهو الحاكم، ونصرة المظلوم وهو الشعب، فإن تعذر إلا بعزل الحاكم وجب ذلك من الشعب والجماعة عند القدرة وغلبة المصالح الحالية والمآلية.