فمن هذا يتبيّن أنَّ المصنّف كان من الحفاظ، وما وقع فيه من عزوٍ للنازل دون العالي قليل بالنسبة لمادة الكتاب، وهذا يزيد في بيان منزلته ورفعة مكانته، والله أعلم.
المسألة الثانية: الحكم على الأحاديث وتعليلها:
اعتنى أبو العباس الداني ﵀ في هذا الكتاب بذكر العلل، ودراستها، وذكر أقوال أهل العلم في ذلك.
والناظر في كتابه هذا يُلاحظ أنَّ الكتاب وُضع لهذا الشأن، فلا يكاد يمرُّ حديث من الأحاديث فيه علّة ما، قادحة أو غير قادحة إلَّا ويذكر المصنِّف تحته ما خالفه، وقول أهل العلم في الترجيح بين ذلك، وقد ذكر في ديباجة كتابه أنَّه سيعتني بذكر العلل فقال:"وأَتَقَصَّى عِلَلَها وأَجْبُرُ خَلَلَها"، وقد استفاد المصنِّف في ذلك من الإمام في علم العلل الإمام الدارقطني ﵀، فكثيرًا ما ينتهج منهجه في ذلك -مع الاختصار- ويحذو حذوه في ذكر العلّة، وبيان الراجح من الأحاديث والطرق، ومع ذلك لم يَخل كتابه من الردِّ عليه في بعض المواضع، كما أنَّه ذكر تعليل الأحاديث عن أئمة آخرين غير الإمام الدارقطني، ولم يكتف أيضًا بذكر الطرق المخالفة لحديث مالك، بل ذكر أيضًا الاختلاف بين أصحاب مالك، وسأذكر في هذه النقاط منهج المصنِّف في كلِّ ذلك بشيء من الاختصار؛ لوضوحه وبروزه في الكتاب.
• يورد الأحاديث التي خولف فيها مالك ﵀، فيذكر المخالفين، مع عدم إهماله ذكر الموافقين له في روايته، ويبيّن الراجح من هذه