للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


= ونفى ابنُ عبد البر أن يكون وقع في تصحيف فقال: "لم يأت ابن معين على قوله بدليل، وليس بهذا تُرد أحاديث الثقات". الاستذكار (٢٥/ ٢١٦).
قال ابن حجر: "ولا يُعترض على الحفاظ الثقات بالاحتمالات، ويؤيد ما قال ابن معين اتفاق الحفاظ من أصحاب أبي هريرة على ذكر البئر دون النار، وقد ذكر مسلم أن علامة الحديث المنكر في حديث المحدث أن يعمد إلى مشهور بكثرة الحديث والأصحاب، فيأتي عنه. مما ليس عندهم، وهذا من ذاك، ويؤيّده أيضًا أنه وقع عند أحمد من حديث حابر بلفظ: "والجُبُّ جبار" بجيم مضمومة وموحدة ثقيلة، وهي البئر". الفتح (١٢/ ٢٦٧).
قلت: ويبعد أن يكون التصحيف وقع فيه من معمر أو عبد الرزاق للأمور التالية:
١ - ما أخرجه الدارقطني في السنن (٣/ ١٥٢) (رقم: ٢١٠) قال: نا أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي، نا زهير بن محمد، ح ونا أبو بكر النيسابوري، نا أحمد بن منصور الرمادي قالا: نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن همام بن منبّه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "النار جُبار"، قال الرمادي: "قال عبد الرزاق: قال معمر: ما أُراه إلا وهمًا".
فهذا عبد الرزاق ينقل عن شيخه معمر أنه وهّم هذه الرواية، فكيف يقال: إنَّ التصحيف وقع من أحدهما.
٢ - ما وقع في سنن ابن ماجة كتاب: الديات، باب: الجبار (٢/ ٨٩٢) (رقم: ٢٦٧٦) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة مرفوعا: "النار جُبار والبئر جُبار".
فقرن بين اللفظين، فلو كان تصحيفا، لذكر أحدَهما دون الآخر.
٣ - أن عبد الرزاق لم ينفرد بالرواية عن معمر، بل توبع على روايته، أخرجه أبو داود في السنن
كتاب: الديات، باب: في النار تعدّى (٤/ ٧١٦) (رقم: ٤٥٩٤) من طريق عبد الرزاق وعبد الملك الصنعاني كلاهما عن معمر عن همام عن أبي هريرة مرفوعا: "النار جُبار".
قال الخطابي: "لم أزل أسمع أصحاب الحديث يقولون: غلط فيه عبد الرزاق، إنما هو "البئر جبار"، حتى وجدته لأبي داود عن عبد الملك الصنعاني عن معمر، فدل أن الحديث لم ينفرد به عبد الرزاق، ومن قال: هو تصحيف "البئر" احتجّ في ذلك بأن أهل اليمن يُميلون النار، ويكسرون النون منها، فسمعه بعضهم على الإمالة فكتبه بالياء، ثم نقله الرواة مصحّفًا.
قلت: إن صح الحديث على ما روى فإنه متأوَّل على النار يوقدها الرجل في ملكه لأرَب له فيها، فتطير بها الريح، فتشعلها في بناء أو متاع لغيره من حيث لا يملك ردّها فيكون هدرا غير مضمون عليه، والله أعلم". معالم السنن (٦/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>