للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا غَلَبَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَكَّةَ، وَكَوْنُهُمْ يَحُجُّونَ وَيُظْهِرُونَ الشِّرْكَ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ: فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْفَتْحِ، فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِمَنْعِ حُجَّاجِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَوْ حَجَّ لَاخْتَلَطَ الْكُفَّارُ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالْعُذْرِ، فَلَمَّا أُمِرَ بِمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْحَجِّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فَنَادَى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، ثُمَّ حَجَّ عِنْدَ زَوَالِ مَا يُكْرَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْحَجَّ لِئَلَّا يَقَعَ فِي غَيْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ جِهَةِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ، حَتَّى يَدُورَ التَّحْرِيمُ عَلَى جَمِيعِ الشُّهُورِ، فَوَافَقَتْ حَجَّةُ أَبِي بَكْرٍ ذَا الْقِعْدَةِ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ صَاحِبُ "التَّنْقِيحِ": وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مُطَوَّلًا، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ لَا نُفَيْعٍ، وَهُوَ الأسدي القرشي، ذكره ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ: وَقَدْ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُد١ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ كُرَيْبٌ، وَأَمَّا رِوَايَةُ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَلَا أَعْرِفُ لَهَا سَنَدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ٢.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عليه السلام: "أَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، وَلَوْ عَشْرَ حِجَجٍ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ عَشْرَ حِجَجٍ٣، ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ"، قُلْت: رَوَى الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"٤ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ هَاجَرَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ"، وَقَالَ الصَّوَابُ وَقْفُهُ، تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ٥ مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى، قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْإِمَامِ" مُسْتَدْرِكًا عَلَى الْبَيْهَقِيّ، قُلْت: رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ شريج أبي عمر النقال الْخُوَارِزْمِيَّ عَنْ


١ في "المساجد - في باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد" ص ٧٦.
٢ قلت: رواه ابن سعد في "الطبقات" في النوع الثاني، من الجزء الأول: ص ٤٤ - ج ١ أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن سبرة عن شريك به، قلت: الواقدي من أركان التاريخ، لكن الكلام فيه مشهور
٣ قوله: عشر حجج، قال الحافظ في "الدراية" ص ١٨١: لم أجد بذكر عشر حجج في - الصبي - اهـ. قلت: هذا اللفظ عند الطيالسي في "مسنده" ص ٢٤٣، ولو أن صبياً حج عشر حجج، ثم احتلم كانت عليه حجة إن استطاع سبيلاً، الحديث، رواه عن جابر.
٤ "المستدرك" ص ٤٨١، والبيهقي: ص ١٧٩ - ج ٥، وقال الهيثمي في "الزوائد" ص ٢٠٦ - ج ٣: رواه الطبراني في "الأوسط" ورجاله رجال الصحيح، اهـ.
٥ فليراجع، فان الحاكم رواه عن عفان، وأبي الوليد، ومحمد بن كثير عن شعبة، كراوية ابن منهال عن يزيد عن شعبة، مرفوعاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>